انا ذرٌ في ارض المدينة كنت افتخر على سائر ذرات التراب بأن رسول الله يمر عليّ.. كنتُ أسمع وصاياه وحديثه للصحابة وللناس فكثيراً ما كان يَعِظهم فكنت اقول في نفسي ما أعظمه من رسول ذو خُلقٌ عظيم حتى سمعتهُ قال ذات يوم (انما بعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق) فعرفت معنى الأخلاق الحقيقية من خلال خُلق هذا الرسول العظيم.. احببت المصطفى حُباً لا يكاد يوصف، انتظره بلهفة ان يمر عليّ حتى اشم عطره، انتظر سماع صوته.. حتى جاء اليوم الذي سمعت صوتهُ مودعا فتمنيت ودعوت ان اكون الذر الذي سيغطي جسده لكن (ليس كل ما يتمنى المرء يُدركهُ..).
فقلت في نفسي ان للرسول آل بيتٍ هم نجوم السماء وهم مثله في كل شيء سأبقى لكي اتنعم بوجودهم.. سمعت حديثهم، سمعت مواعظهم، رأيتُ خُلقهم، فكنت انتظرهم كما انتظرت جدهم من قبلهم، كانت روحي تشهق حزناً وألماً عندما ارى الزهراء تمر من امامي منحنية باكية تأخذ من تراب قبر ابيها وتقول: (ماذا على من شم تربة أحمد.. أن لا يشم مدى الزمان غواليا.. صبت عليّ مصائب لو انها.. صبت على الايام صرن لياليا). كنت اراهم يُظلمون ودموعي تجري لما يحل بهم.. لم املك شيء ادافع به عنهم ..
رأيت النجوم تتهافت الواحد تلو الأخر.. اراهم يُذبحون، ويُقتلون بالسُم وانا اصرخ بعالي صوتي: الم تسمعوا حديث رسول الله عن عترته.. الم يقول لكم: (اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي)، ألم تسمعوا قولهِ: (لا يبغضن أهل البيت أحد إلا أدخله الله النار)؟ الم يقل لكم: (مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تركها غرق) و(أحبو الله لما يغذوكم من نعمة وأحبوني لحب الله وأحبو أهل بيتي لحبي).. ولكنهم لم يسمعوا صوتي.. وتذكرتُ اني سمعتُ رسول الله يقول: ( ما بال رجال يؤذونني فى أهل بيتي) فعلمت ان لا جدوى من حديثي اذا لم يسمعوا رسول الله ولم يطبقوا قوله ..
سمعتُ بما حل بأمير المؤمنين علي فبكيت وشكوت الأمر للرسول سرا، سمعت ما حل بالإمام الحسن فاحترق قلبي لوعةً وشجىً ولكن ما خفف الألم انهم وضعوني على جسده الطاهر فقلت في نفسي من مثلي وانا قبر الحسن بن علي.. وذات يوم سمعت بناعي المدينة ينعى الحسين فبكيت دما وهكذا بقيت اسمع مقتل عترة المصطفى الواحد تلو الأخر.. وضممتُ في روحي قبور الأطهار من آل الرسول فكنت تراباً لقبر الأئمة علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد عليهم السلام.. ذلك كان منى نفسي ان اضمهم بين روحي واحميهم من حرارة الشمس.. كنت اعلو قبابهم الشامخة ومناراتهم التي تعانق غيوم السماء ..
إلى ان جاء يوم مُظلم رأيتُ الناس يمسكون بأيديهم الفؤوس يضربونني ويحطمون مراقد الأطهار.. فنظرت اليهم متعجبا متسائلا.. ما الذي يجري ماذا هناك؟ هل هذا جزاء المصطفى في اهل بيته؟ ولكن ما من مجيب..
كنت احوم حول المراقد مثل ما تحوم الطيور على عشها.. كنت احاول ان امنعهم من ان يهدموا المراقد لكن دون جدوى.. تعالت صرخاتي حتى وصلت عنان السماء، يا رب اخسف بهم الأرض، انتقم ممن يأذون اهل البيت، يا رب خذ بحقهم وكانت دموعي تجري حتى ظن الناس انها بدأت تُمطر يومها.. لم يعلموا انها دموع ذرات تراب توسلت اليهم بأن لا يقوموا بفعلهم الشنيع هذا..
نظرتُ الى قبة الرسول خاطبتهُ بدموع عيني.. فحدث لي شيء وتذكرت بعض اقواله: (يخرجُ في آخر الزمان رجل من ولدي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، فذلك هو المهدي) وتذكرت قوله صلى الله عليه وآله: (المهدي منا أهل البيت يملأ الأرض قسطاً وعدلا كما ملئت جورا).. كأنه يُخبرني أن أصبر، سيأخذ بحقهم ولدي المهدي المنتظر.. فرجوت الله ان ابقى معهم الى ان يظهر الإمام المهدي ويأخذ بحقهم ويبني ما تهدم من قبورهم.. ورجعت صابراً مُحتسبا ولظهور المهدي داعيا.
اضافةتعليق
التعليقات