إن كل البشر يعيشون تحت ثلاثة ظروف اضطرارية رئيسية تشكل ماهية ومكونات الحقيقة بصورة اضطرارية، وهذه الدوافع الاضطرارية - بحكم تعريفها - "يجب أخذها في الاعتبار دائمًا لأنها تشكل الحقيقة، ولأن كل المشاكل والتساؤلات التي تواجهنا في الحياة تنبع أساساً من هذه الدوافع الإضطرارية الثلاثة فإننا نكون مجبرين دائماً على الإجابة على هذه التساؤلات والتعامل مع هذه المشاكل لأننا نكون في معركة دائمة معها، والإجابات التي نحصل عليها تشكل مفهومنا لـ معنى الحياة".
الظرف الاضطراري الأول: إننا نعيش على سطح كوكب صغير جداً - كوكب الأرض - وعلى هذا فإنه من المفروض علينا أن نعيش في حدود ما يوفره هذا الكوكب لنا من موارد طبيعية محدودة، وأن نحاول تطويرها واستخدامها أحسن استخدام في حدود معارفنا، وسيكون من المفروض علينا أن نقوم بتطوير أجسامنا وعقولنا حتى نستطيع الاستمرار في الحياة على الأرض.
إن هذه المشكلة - التي تواجهنا جميعًا - لا يمكن التخلص منها أو تجنبها بأي طريقة، فمهما فعلنا فإن أفعالنا ستكون هي الإجابة لموقفنا كبشر من الحياة: لأنها تكشف ما نعتقد بضرورته وكونه ملائماً وممكنًا ومرغوباً فيه، فكل إجابة يجب أن تأخذ في الاعتبار حقيقة مهمة وهي أننا أعضاء في الجنس البشري الذي يسكن على كوكب الأرض.
الظرف الاضطراري الثاني: إن كل واحد منا عضو في جماعة البشر الذين يعيشون من حوله، وإن وجودنا مرتبط بوجودهم، فإن الضعف الذي يميز الفرد البشري ومحدودية قدرات كل واحد منا تجعل من المستحيل على أي فرد تحقيق أهدافه في الحياة بمفرده، فمن المعروف أنه إذا ما حاول فرد ما العيش بمفرده ومواجهة مشاكل الحياة بصورة مستقلة عن الآخرين فإنه إن عاجلاً أو آجلاً سينتهى الأمر به إلى الفناء، ولهذا فإننا جميعًا كأفراد مرتبطين ارتباطاً وثيقًا ببعضنا البعض.
وهي رابطة تمثل في أهميتها الحياة نفسها لأنه بدون هذه الرابطة فإن الحياة نفسها لن تستمر، وعلى هذا يمكننا القول بأن أعظم منحة يقدمها الإنسان لأخيه الإنسان - بغرض تحقيق حياة أفضل - هي منحة الزمالة، وهذا يجعل كل إجابة من الإجابات التي نحصل عليها لمشاكل الحياة لابد من أن تتضمن وتأخذ في الاعتبار هذه الحقيقة: ألا وهي أن الإنسان لا يستطيع أن يعيش في معزل عن أخيه الإنسان، بل ما هو أكثر من هذا، فإننا في حاجة لوجود الآخرين من حولنا لإشباع حاجاتنا المعنوية اللازمة لاستمرار وجودنا، وليست الحاجات المادية فقط، فلو أنه كتب لنا الحياة على هذا الكوكب فإنه من الواجب علينا أن نشبع حاجات معنوية كثيرة مثل الحاجة إلى وجود هدف وغرض من استمرار الحياة.
الظرف الاضطراري الثالث: إن الظرف الاضطراري الثالث الذي يحكمنا كبشر هو أن الجنس البشري يتكون من رجل وامرأة، وإن بقاء الجنس البشري واستمراره يعتمد على كل منهما، وعلى هذا فإن مشاكل مثل الحب والزواج تنتمي إلى هذا الظرف الاضطراري الثالث، ولا يمكن لرجل أو امرأة الاستمرار في الحياة دون الإجابة على التساؤلات التي تمثلها مثل هذه المشاكل، والأفعال التي يقوم بها البشر عندما تواجههم مثل هذه المشاكل هي الإجابات التي توصلوا إليها لحل هذه المشاكل، هناك العديد من الطرق التي يمكن بها حل المشكلات، ولكن أفعالهم تعتبر أصدق تعبير على ما يؤمن هذا الفرد بأنه الحل الأمثل لمثل تلك المشكلة.
من هذا نرى أن الظروف الثلاثة الاضطرارية - التي سبق شرحها - تمثل ثلاث مشاكل: المشكلة الأولى: علينا أن نجد وظيفة تمكننا من الحياة في ظل القيود المفروضة علينا بحكم وجودنا على كوكب الأرض.
المشكلة الثانية: علينا أن نجد لأنفسنا موقعاً - تحت الشمس - يمكننا من التعاون مع باقي أفراد المجموعة التي نعيش فيها بحيث نفيد ونستفيد من بعضنا البعض.
المشكلة الثالثة: يجب أن يتسع صدرنا لحقيقة وجود نوعين – رجال ونساء - وأن استمرار الجنس البشري يعتمد على العلاقات بين النوعين.
إن علم النفس الفردي قد اكتشف أن كل مشاكل البشر يمكن تصنيفها تحت هذه النقاط الثلاث الرئيسية: وظيفية، واجتماعية، وجنسية، وأن ردود أفعالهم تجاه هذه المشاكل هي التي تكشف طبيعة فهمهم الشخصي لـ "معنى الحياة".
دعنا نفترض على سبيل المثال وجود شخص محروم من وجود شريكة في حياته وأن هذا الشخص فشل في التقدم في المجال الوظيفي، وأن هذا الشخص أيضًا لا يتمتع بوجود العديد من الأصدقاء في حياته حتى إنه يجد أن الاختلاط بغيره من أفراد المجتمع أمر غير مريح بل ومؤلم جداً، إن مثل هذا الشخص قد وضع على نفسه الكثير من القيود التي تمنعه من الحياة بصورة مريحة، ولهذا فإنه لن يكون من الصعب علينا استنتاج أن مثل هذا الشخص يرى الحياة على أنها عبء ثقيل، بل إنه ربما يراها على أنها مغامرة محفوفة بالمخاطر تحتوى على الكثير من الفشل والقليل من الفرص .
إن قلة عدد الأفعال التي قام بها استجابة للمشكلات التي واجهته، هو ما جعل حياته على ما هي عليه من فشل، فكأنه يقول :
"إن معنى الحياة بالنسبة لي هو أن أحمي نفسي من الأذى الذي يمكن أن يلحق بي، وإنه علي أن أختبئ وأحصن نفسي ضد الأذى الذي سوف يصيبني إذا ما تعاملت أو تعاونت مع الآخرين".
والآن دعنا نفترض المثال المعاكس، فالشخص هذه المرة يتمتع بعلاقة حميمة وصحية بالجنس الآخر حيث يسود تعاون تام بينهما، كما أن الوظيفة التي يقوم بها هذا الشخص تسفر عن إنجازات مفيدة دائمًا، وأيضًا فإن هذا الشخص يتمتع بوجود الكثير من الأصدقاء في حياته، واتصالاته بالناس واسعة وكثيرة ومفيدة، ولهذا فإنه سيكون من السهل علينا أن نستنتج أن هذا الشخص يرى الحياة على أنها مهمة خلاقة تحتوي على الكثير من الفرص والقليل من العقبات التي يمكن التغلب عليها .
إن شجاعة مثل هذا الشخص في مواجهة مشكلات الحياة تمثلت في كثرة عدد الأفعال التي قام بها في مواجهة هذه المشكلات، وهو ما جعل حياته على ما هي عليه من نجاح، فكأنه يقول:
"إن معنى الحياة بالنسبة لي هو أن أستمر في شغفي واهتمامي بالناس ومصالحهم؛ لأنني جزء لا يتجزأ من المجتمع، ومساهمتي مهمة وضرورية لتحقيق رخاء المجتمع، كما أن مساهمة المجتمع مهمة وضرورية في تحقيق رخائي الشخصي".
اضافةتعليق
التعليقات