إنّ الثبات المنشود في العلاقات الزوجية مُرتهن في التعبير عن مشاعر المحبة والمودة والرحمة بالوسائل السلوكية المختلفة وآداب المعاشرة الذي يتبع الاختلاف في الخصائص الثقافية بين الناس.
وقد جاء في الروايات وأخبار السيرة الشريفة:
"جاء رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: إن لي زوجة إذا دخلت تلقتني، وإذا خرجت شيعتني، وإذا رأتني مهموماً قالت لي: ما يهمك إن كنت تهتم لرزقك فقد تكفّل لك به غيرك وإن كنت تهتم لأمر آخرتك فزادك الله همّا. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن لله عمالاً وهذه من عماله، لها نصف أجر الشهيد"(۱).
وهذا المثال البارز إنّما يؤشر على واحد من تجلّيات المودة والرحمة والحب الذي يربط بين الزوجين فينعكس من خلال التعامل والسلوك والموقف. إن الزوجة التي تستقبل زوجها بوجه طلق، وتودع زوجها بالبسمة، والتي إذا رأت زوجها مهموماً أزاحت عنه الهموم بالكلمات الحلوة المؤثرة، إنّما تنطوي على روح عظيمة، وهي بحق من عمّال الله عزّ وجل إنّها نفس طيبة تحلو الحياة معها وتصبح مفعمة بالنعم الإلهية.
وفي مقابل ذلك نجد النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يحث الرجل على إكرام المرأة وتقديم الخدمة لها يقول صلوات الله عليه وآله: "إنّ الرجل إذا سقى امرأته من الماء أجر".(2)
وفي الإسلام دين الله الحق لا يجب على المرأة العمل في البيت؛ فالأعمال المنزلية ليست واجبة على الزوجة، وهي إذا نهضت بهذه المهمة فإنّما تقوم بذلك بدافع الحب والعلاقة الزوجية وبذلك فهي تكتسب أجراً وثواباً عظيماً.
إن أجمل أشكال الحياة ما قام على الحب، والأسرة التي تقوم على الحب والمودة إنّما هي أسرة ترفل بالسعادة.
ولهذا نرى أن أحاديث أئمة أهل البيت تحث الزوجين باستمرار على اقامة علاقة زوجية مفعمة بالمودة والحب.
وهذه العلاقة الدافئة الصميمية التي تربط بين الزوجين إنما تزدهر في إطار من العفة والفضيلة.
والإنسان المؤمن ينظر إلى أسرته أولاً، ثم إلى نفسه فهو يعدل ذوقه بما يتلاءم مع ذوق أسرته فلا يفرض عليها رأيه وذوقه وما يشتهيه.
والمودة والرحمة في الأسرة إنما تتجلى في الحب والحنان الذي يغمره الرجل على أسرته، فلا معنى للأنانية ولا مكان للنرجسية.
فليس في قاموس العاشق المحب مفردات مثل الأنانية والحقد والضغينة. إنّ قاموس العشاق مفعم بكل ما هو نبيل ومتسامٍ فلا يصدر منه قولٌ أو فعل إلا وللرحمة والحب فيه حضور متألق. وقد جاء في السيرة:
"قيل لأم أيوب أي الطعام كان أحب إلى رسول الله فإنكم عرفتم ذلك لمقامه عندكم؟ قالت: ما رأيته أمر بطعام فصنع له بعينه ولا رأيناه أتي بطعام قط فعابه.(3)
وهذه الأمثلة إنّما تبين أصلاً كلياً، هذا الأصل والركن الأساسي إذا افتقدته الأسرة فإنّما تفقد الحياة الزوجية معناها وجوهرها، بل إن الحياة كلها تفقد معناها الإنساني الجميل وتصبح بلا معنى ولا مفهوم؛ لأن الإنسان أساساً إنّما يتكامل بالحب وبالحب يبلغ مرحلة الكمال.
.........................
من كتاب (صرح الأسرة) مصطفى دلشاد
-
من لا يحضره الفقيه: ج3، ص389.
-
كنز العمال: ج6، ص425.
-
امتاع الأسماع: ج7، ص299.
اضافةتعليق
التعليقات