في جمعة الشوق والحنين، تُرتل الندبة تلو الأخرى، تحنُ له، تذرف اللؤلؤ وهجاً، يُحرق كيانها، تشعر بالقشعريرة عند ذكره، "ياترى هل لي إليك من سبيلٍ لأرتوى من وجودك فقد طال الصدى متى أغدو رواحا وإياباً فتُقر عينا".
لا يهدأ حالها، ولا يسكن، فتغدرها عينيها، لِتُغلق من شدة التعب والسهر، تهجدا من غير أن يرتاح طرفاها ، فيتراءى لها حلمُ اليقظة، فيمسح الهم عنها وتسمع صوتا بين السماء ِ والأرض لم تعتاده أذنيها، فيرفرف قلبها بهجةً، وتتحول السماء إلى صورةٍ تحمل على سُحبها البيضاء، جمالا قدسي أكثر شبهاً بالأنبياء والصديقين، له طلعةٌ تتحلى بقامةً تشبه قامة بني إسرائيل، تزينها هيبةٌ ووقار، وعلى خده كويكبٌ يلمع عند تبسمه فيتجلى وجهه كالكوكب الدري، فينادي ويسمعه من في الأرض والسماء: "ألا يا أهل العالم إن جدي الحسين قتلوه عطشانا".
فتُلبي نحوه رجالٌ قلوبها شبيهةً بزبر الحديد، وسيوفٌ لو ضربت الجبل لقسمته نصفين، فتواجههم قوى العالم فتُخضع أمامهم وتنكسر، ويُقضى عليها، فيولي النفاق منهم فراراً فيختبئ في صخورٌ لها ألْسُن تنادي بالقوة الإلهية: "إن في داخلي عِثٌ قد ولّى فراراً منكم"، ولا تهدأ نفسه ولا نفوسهم حتى يُنتقم مِمَّن ماتَ وهو ظالمٌ لوليه، فيجئ به، وتجزا كل نفسٍ بماكسبت، فيُقام الحد، وتصلى الجبت والطاغوت واللات والعزى حرَ النارِ، ويُأتى بإبليس فينادي بالويل والآه ويقول: "هذا ما وعد الله هذا يوم الميعاد هذا هو اليوم المنظور"، فيُقطع رأسه، فتبقى النفس التي أفلح من زكاها، وخاب من دساها، فتُلقى الرحمة في قلبه وقلوبهم بعد أن يسود العدل والقسط في ربوع المعمورة.
ويُأتي الله بالأقوامٍ التي يُحِبهم ويحبونه، فتكون الحياة للنفوس المنتظرة لظهوره، ويصبح أهل السماء جيراناً فيَهدون ويُهدَون، ويُصبح ويُمسي الرواح والإياب، وتُرى الجنان بأعينها، فيكون المراعى يرعاها ذئبٌ قد صاحبه كلبٌ، والأيلُ تترنم مع الوحوش التي كانت ضاريةٌ لها، ويُذهب بالأنثى شرقاً وغرباً وعليها حُلي الدنيا بأسرها، فلا تخاف دركاً ولا تغشى .
وفجأه! تفتح عينيها، وهي تردد "ونحن نقول الحمد لله رب العالمين ، وإذا بها تنادي وتصرخ بالآه على فراقه: "اللهم أنت كشّاف الكُربِ والبلوى، وإليك أستعدي فعندك العدوى، وأنت رب الآخرة والأولى، فأغث ياغياث المستغيثين، عبيدك المُبتلى، وأره سيده يا شديد القوى، وإسقنا من حوض جده الصافي إرتوائى فَنَقر عينا".
فيأتي النداء إستجابةً هي نظرةٌ من عندي، قد نِلتيها وفُزتي بالدارين، فلاخوفٌ عليكِ ولاحُزنا.
اضافةتعليق
التعليقات