كانت جل امنياتي أن اخلع العباءة السوداء من رأسي وان أظهر بعض من خصلات شعري الجميلة، كانت نفسي تتوق للتحرر وان لم اكن اعلن ذلك جليا واصدح به عاليا لكن امنياتي المختنقة في صدري تفضحني أحيانا، كنت انتظر ساعة الصفر وهي ساعة دخولي الجامعة كي يتسنى لي التحرر من القيود المفروضة علي وفعلا دخلت ذلك العالم، كان عملي الدؤوب للحصول على حريتي يجري على قدم وساق فأجريت بعض التعديلات على مظهري وقمت بشراء ملابس تسمى {ملابس للمحجبات} بالاسم فقط فهي كافية باشباع رغباتي في اظهار مفاتني كما احب وارغب وان كان بعضها من اختيار امي، فيكون فضفاضا بعض الشئ فاني اذهب لجارتنا خلسة كي تقوم بتخصيره على جسمي كي ابدو فاتنة فغداً عيون مئات الشباب تلاحقني، زيّن لي الشيطان الكثير من اعمالي بحجة انني فتاة صغيرة ومن حقي الاستمتاع بحياتي كما يحلو لي ولبقية العمر بحثاً اخر، لم يكن ماحدث لي مجرد صدفة فالحياة دقيقة وبعيدة عن الصدف .
في صباح ذلك اليوم رأيته وكانت نظراته تشيعني وكلها اعجاب بمظهري ولمساتي الفنية المبدعة، كان شاباً وسيماً وفي نفس مرحلتي الجامعية مما كثرت صدف لقائي به، لم يبذل جهداً لمحادثتي فقد كانت حريتي تبعدني عن التعقيدات والالتزامات فكل أمر كان مباح عندي في ذلك الحرم الجامعي وكأن الله قد حط عنا القلم.
لم يدم الأمر طويلاً حتى خرجنا مرة لشرب العصير واخرى للتنزه وتلك للغداء، تطورت علاقتنا كثيراً ولكثرة خروجنا من الكلية تلقينا انذاراً اولياً بالفصل .
قللنا عدد مرات الخروج لكنها لم تنعدم، دعاني مرة للذهاب لشقته التي استأجرها له أبويه كي يسكن فيها مدة دراسته لم أكن ارفض له طلباً ولم أرفضه تلك المرة ايضاً على رغم ترددي لكنه اكد لي ان عدة دقائق تفصلنا عن الشقة وان غيابنا لا يتعدى المحاضرة الواحدة فقط .
ليتني كنت فهمت الحرية بشكلها الصحيح ولم اغتر بالقشور منها .....
ليتني كنت فهمت فلسفة المرأة وحجابها ولكن فات الاوان.... تحرك بي بسيارته عبر ارجاء المدينة تركت محاضرتي وذهبت معه كان قد سيطر على كوامن عقلي ان كان لي عقل وقتها أساساً، كان متهوراً في سياقته فخوراً بامساكه الغنيمة المغفلة التي هي في الأسر وتظن نفسها أنها هي المتحررة، بعد صوت ارتطام السيارة اخر ماكان في ذهني سياقته المتهورة والوان بعض الشقق الصارخة وضحكات أطفال يلهون على الرصيف، نقلت للمشفى القريب كانت حياتي متعلقة بتلك الاجهزة التي انتشرت في كافة ارجاء جسمي، دخلت في غيبوبة تامة كانت الصدمة الكبيرة من نصيب أهلي الذين لم يعلموا مايفعلون عند مشاهدتهم لجثة ذلك الشاب وهي متمددة على السرير بجانبي، كان رفيقي قد فارق الدنيا لكن روحي المتأرجحة كانت تأبى الخروج من ذلك الجسد البائس .
لم يعرف أهلي مدى عمق علاقتي بذلك الشاب كان الشك يراودهم وخاصة بعد علمهم بكثرة غياباتي وانذاري بالفصل الذي اخفيته عنهم، كنت غائبة عن الوعي لكني أشعر بدموع أمي تبلل وجنتي واسمع صوت بكاء ابي لكن دون جدوى واخيرا دخلت الى ذلك العالم العجيب الذي كنت ارفض تصديقه أيام حياتي، اضحت روحي ترفرف حول الجسد وتحاول أن تخترقه لتمده بالدفئ لكنه كان صعب الاختراق؛ رأيت روح صديقي كانت هي الأخرى مازالت تحلق حول جسده، رأيت بأم عيني ذلك العالم الذي كنت استهزئ حين اسمع بوجوده فلم اكن اؤمن بغير عالمي المادي، فجأة شعرت بالعطش الشديد ركضت نحو بركة ماء فاذا بها سراب ....
اشتد بي العطش والخوف أصبح الكون مظلماً لم أكن اعرف دعاءاً الهج به ولا ذكر، لم اكن افتح كتب الأدعية ولا القرآن تذكرت أمي وهي تلهج بالزهراء حين يصعب عليها أمر ما، لم أكن أعلم عن حياة السيدة الزهراء كثيراً، صرت ألهج بذكر أسمها وادعوها: ياسيدتي انقذيني من هذه الظلمات انيري لي طريقي فأنها مظلمة تماماً بأفعالي .
سمعت امي وهي تصيح: الشكر لكِ ياسيدتي الزهراء لقد فاقت ابنتي ....
نظرت حولي فاذا بتلك الأجهزه تملأ جسمي علمت حينها مدى ضعفي وقلة حيلتي وعلمت أن الحرية هي تحرير نفسي من قيودها وأفكارها الخاطئة لا الحرية المزيفة التي اختارتها نفسي، تبدلت حياتي بعد ذلك الحادث لكن بقت نظرات ابي المعاتبة تمزقني وهمسات الناس تدمي قلبي، غيرت ساعات اللهو وسماع الأغنيات لساعات مناجاة ذقت بها لذة الطاعة، بللت وجهي بدموعي المهطلة كالمزن، في الوقت الذي كان الناس يظنون بي السوء وبأني فعلت معصية مع ذلك الشاب ويحوكون حولي الأقاويل، لم يجرء شاب أن يتقدم لخطبتي، لم انزعج كثيراً لذلك الأمر فقد كان همي الوحيد هو أن يرضى الله عني وأن استعيد ثقة ابي وأمي بي، استمرت توسلاتي بالسيدة الزهراء سلام الله عليها، اضحت هي رفيقتي الوحيدة بعد ابتعاد اقرب الناس عني .
بعد تخرجي بأشهر حصلت على وظيفة بسيطة، لم يمنعني أبي من الخروج إلا انه كان يحذرني دائماً وكان شديد اللهجة معي، تغيرت طباعي كثيراً، اصبحت منطوية على نفسي، خرجت من الجامعه بسمعة سيئة ولكن دخلت للعمل بسمعة لابأس بها، التقيت هناك برفيقة طيبة القلب أضحت هي محل سري وأبثّ لها حزني وشكواي، توطدت علاقتنا كثيرا، ذات يوم فوجئت بشاب وسيم دخل للسؤال عنها وبعد أن خرجت من غرفة العمل عرفتني به إنه شقيقها الوحيد .
بعد أسبوع تقريباً أخذت تُلمح لي بأنها معجبة بي وبأخلاقي وحجابي وتتمنى أن أصبح زوجة لأخيها، وفعلاً تمت خطبتي لذلك الشاب المؤمن، كنت مترددة وعزمت أن اخبره بالماضي وكيف كانت نظرتي للحياة وكيف هي سمعتي بين الناس، وبالفعل أخبرته أخته بكل شئ، فابتسم وقال: ما أقسى قلوب البشر إنهم لايرحمون أحد مع أن الله قال في كتابه العزيز "إن الله يحب التوابين".
ومن هنا انتهت حريتي الكاذبة وبدأت حريتي الحقيقية في بيت زوجي، الحرية التي يعمّها الهدوء والإستقرار، الحرية التي باركتها الزهراء .
اضافةتعليق
التعليقات