استقبلت أخاها الإمام الحسين تعانقه .. تقبله .. فيخاطبها : أخية زينب أيتها العقيلة العالمة واللبيبة الفاهمة .. اليوم حل الأجل المكتوب وحان القضاء الموعود وأبرم ما في السماء ما سيجري اليوم على أرض كربلاء ... فلا يهولنك ما ترين من جريان دمي ورض بدني وقطع رأسي ... ولا تجزعي... أختاه إن الأمر الذي نحن مقبلون عليه لخطير وإن المهمة التي أمامنا لعسيرة فلقد آن الأوان لتقديم الفداء لدين جدي محمد ﷺ .
أجابته : أخي وامامي وقرة عيني ياحسين .. نحن بأمرك وطوع ارادتك ولن يكون مني إلا ما تقر به عيونك وعيونهم ؛ كانت تعلم أن اتباع الباطل والملتفين حوله في كل زمان وكل مكان وإن المتمسكين بالحق هم قلة فكانت تراقب كل ما يدور حول الامام الحسين يقف الثائر شامخا فأوجز هدفه السامي قائلا: (أما بعد إني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وإنما خرجت أطلب الاصلاح ...) .
ما هي إلا وساعات وتقف بطلة كربلاء تغمس يديها في دماء أخيها الحارة وترمي بها نحو السماء (اللهم تقبل منا هذا القربان هون علينا ما نزل بنا إنه بعينك رضى الله من رضانا أهل البيت نصبر على بلاءه ويوفينا أجر الصابرين).
كان هذا التحدي منها هو اعلانا واضحا وبداية جهاد من نوع آخر تحل فيه الكلمة بدل السيف والذي هز جيش الظلم وجعله يتصاغر إلى حد الانسحاق؛ لقد باشرت سليلة المجد الدور الريادي في القيادة منذ اللحظة التي استشهد فيها أخوها فجمعت النساء والأيتام تشد من أزرهم وتهدئ من روعهم .
ثم تسكب السم الزعاف في كؤوس الظالمين وافسدت لهم لذة النصر فأخذت تواصل المعركة بالكلمة الصادقة فتوقظ القلوب والعقول من رقدتها وغفلتها في مجلس ابن زياد أخذت تنطق بلسان الامام علي بن أبي طالب فقطعت عليه حبل سعادته وأخرجته من أحلامه وأوهامه وفضحته .
فبدأت : الحمد لله الذي اكرمنا بمحمد وطهرنا في محكم تنزيله تطهيرا وما رأيت صنع الله بنا إلا جميلا أأظننت يايزيد حسبت علينا أقطار الأرض وافاق السماء .. فمهلا مهلا ,لا تطش جهلا انسيت قول تعالى: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ ۚ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا ۚ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ)ال عمران 178 .
ثم تابعت القول : (وهل رأيك إلا فند , وأيامك إلا عدد وجمعك إلا بدد ) رد يزيد مبررا فعلته : (خرج عن الدين أبوك وأخوك) فأجابت وريثة الفصاحة والكياسة والحلم بكل هدوء: ( بدين جدي وأبي اهتديت أنت وأبوك إن كنت مسلما).
امتلكت السيدة زين الوعي الرسالي والادراك والعلم فبالرغم من كل ما مر بها وقفت متماسكة متوازنة لم تفقد صوابها بل كانت ثورة متواصلة على الطغيان فأحيت دم أخيها الامام الحسين وواصلت الفتح.
اضافةتعليق
التعليقات