![]() |
||
مصباح الدجى |
|
|
|
لست أدري ما أنشد وما أقول؟. فقد يكل اللسان، ويضعف البيان، وتحار الأفهام، وتعجز الأقلام عن رثاء مجد الأمة ومصباح الرحمة، والجبل الشامخ، والعطاء الباذخ. نعم هذا النور الذي أشرق فجراً جديداً للعالم بأسره، وأحيا أمة بأكملها، وقد كانت في سبات عميق، أفاقت به وشعشعت الأنوار من حولهم. هذا هو البدر الذي شع في آفاق الكون بضيائه، وغمرها بنفحات الرحمة والسلام، وعم أرجاءها بالخير والأمان.. ولا غرو في ذلك: فهو من سلالة الأطهار، ومن نسل النبي المختار، ومن صلب علي الكرار، وأمه الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فآجرك الله يا رسول الله وأحسن الله لك العزاء يا أمير المؤمنين. ها أنا اليوم أذرف دماً من عيني، وأسحّ ألماً من قلبي، وأذوب أساً وتفطراً وكمداً، حينما أسمع عن هذا العلم المرفوع والأمين المسموع، رجل الأمة، وسراج الظلمة. رحل عن هذا العالم دون رجعة، وأنا قد فتحت أناملي على كتابه، وشربت من معين معرفته، وتغذيت بحلمه وعلمه، ونهجت على طريق رسمته للراغبين فيه. فكيف اليوم أخط بقلمي على هذا الورق الذي تمنيت أن يصبح رماداً قبل أن أرثي فيه هذا السيد العالم والرجل السالم والأمان الدائم. ما هذا النبأ المفجع، والخبر الموجع.. نهضت من مكاني، وتغيرت ألواني، ففتحت عيني وأمسكت قلمي بين يدي ونشرت صحيفتي بيميني وكتبت كلمة واحدة لم أستطع أن أكملها. وإذا بها قد تحولت إلى صرخات وآهات وأحزان رج صداه العالم وأخذت تدوّي دويَّ النحل في الجبال، وتدب دبيب النمل في الصخور الصماء. فتساقطت الدموع من عيني كأنها السيل وجرت كالأنهار، ولم أبالي فهذا هو المعيل، وهذا هو الطبيب.. فمن لليتيم وقد فقد معيله، ومن للعليل وقد فقد طبيبه. ومن للعبد وقد فقد مولاه.. ومن لطالب العلم وقد فقد عالمه.. ومن للسجين وقد فقد أمله في إطلاق سراحه.. ومن للجائع وقد فقد طعامه.. ومن للعطشان وقد فقد شرابه.. ومن للخائف وقد فقد أمانه.. ومن للصغير حتى يكبر.. وأنى لمجرى يسيل وقد وقف نبعه.. وأنى للجسد أن يحيى وقد وقف النبض في قلبه وعروقه.. فهو محور العلم، ومركز الفهم، ومثال الحلم. فأين أنت أيها الصابر المحتسب لقضاء الله؟. والمجاهد الثابت لأمر الله، واللواء المرفوع لعلم الله. لقد غابت أنفاسك عن هذه الدنيا البالية، ولم تغتر بزخارفها وبهارجها، ومضيت إلى ربك، والى النعيم المقيم في دوحات خالدة، وروضات في أعالي الجنان سائدة. ولكن بصيص الأمل لا زال باقياً يشع في فجر كل يوم جديد فهناك أمل رسمته بنفسك في أرض الطفوف، وآخر في أرض الكويت. ولو شاء الله لك البقاء لملئت كل أرضٍ بدراً، وكل سماءٍ قمراً، وكل فلك كوكباً يعلو عن غيره من الكواكب الأخرى. ولكن مشيئة الله نافذة في عباده وشاء الحبيب لقاء حبيبه ولا نقول إلا كما قال الرسول (ص) : (العين تدمع والقلب يخشع ولكن ما شاء الله كان. وكل شيء هالك إلا وجهه. و (كل من عليها فانٍ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام). فسبحان القاضي في خلقه ما يشاء، وسبحان مغير الحال من حال إلى حال. فسلام عليك أيها النبع الصافي في حياتك، والجوهر الخافي في وفاتك. |
|