![]() |
||
في لقائها مع (مجلة بشرى) | |
حرم الإمام الشيرازي الراحل (قدس سره) تسلّط الأضواء على جوانب من سيرة وسلوك هذا المرجع الديني الكبير مع أعضاء أسرته الشريفة: (رغم المعاناة الكبيرة والمسؤوليات الجسام التي يتحملها قائد جماهيري وزعيم ديني، إلا أن الإمام الراحل (قدس سره) لم يدع شيئاً من ذلك يظهر على سلوكه وتصرفاته داخل بيته قط).. |
|
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. نبارك لكم حلول شهر رمضان المبارك، وتقبل الله أعمالكم وطاعاتكم. بمناسبة حلول الذكرى السنوية الأولى لرحيل الإمام الشيرازي (قدس سره) وإحساساً منا بالمسؤولية الملقاة على عاتقنا، ستصدر مجلة بشرى النسوية عدداً خاصاً بهذه المناسبة؛ لذا ارتأت أسرة تحرير المجلة إجراء هذا اللقاء مع حضرتكم، لتسليط الضوء على بعض جوانب شخصية الإمام الراحل (قدس سره) وكيفية تعامله مع أسرته. لذا نرجو الإجابة على الأسئلة التالية: 1- كيف كان يتعامل (قدس سره) معكم؟. 2- هل كان يقدم لكم العون في مسؤولياتكم المنزلية؟. 3- في حال حدوث أي تقصير في أداء المسؤوليات، كيف كانت ردة فعله؟. 4- كيف كان يتعامل مع الأطفال بصورة عامة، ومع أولاده وأحفاده بصورة خاصة؟. 5- ما ردود الفعل التي كان يبديها إزاء المواقف الصبيانية والشيطنة التي يقوم بها الأطفال؟. 6- ما هي طبيعة التوجيهات والنصائح التي كان يقدمها لأولاده حتى يصبحوا علماء وعظماء؟. 7- كيف كان يشجعكم على الكتابة، وما هو الحافز الذي يذكره لكم؟. 8- ما هو المنهج الذي كان ينتهجه في التربية بشكل عام؟. 9- ما موقع المرأة في فكر الإمام الراحل (رضي الله عنه)؟. نشكركم كثيراً على تعاونكم معنا، ونسألكم الدعاء. أسرة تحرير مجلة بشرى
بسم الله الرحمن الرحيم أسرة تحرير مجلة (بشرى)... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... أشكر لكن أيتها السيدات المحترمات ما تبذلنه من جهد ونشاط، كما أثمن الخدمات والمساعي المهمة التي تقوم بها جميع الأخوات المساهمات في هذه المجلة، وأتمنى لكن جميعاً المزيد من التوفيق في ظل ألطاف الباري عز وجل، وعناية الإمام الحجة بن الحسن (عجل الله تعالى فرجه الشريف)... ج1- رغم وجود المشاكل الكثيرة جداً والأعمال والمسؤوليات المتزايدة بالنسبة لقائد جماهيري، والاهتمامات الكثيرة لمفكر مثله، والهموم المتراكمة التي تثقل كاهله من جراء الإحباطات الكثيرة التي تلحق بالعالم الإسلامي والمظالم والعذابات الجمة التي يتعرض لها المسلمون، ومع الأخذ بنظر الاعتبار أن العلماء والعظماء أناس عاديون، ولا يختلفون عن غيرهم، من الناحية الجسمية، ولديهم الطاقة والقوة المادية التي يملكها إنسان عادي، كما أن أي شخص عادي يتحمل أكثر مما يتحمله يومياً من الأعمال، تظهر إمارات الإعياء والتعب عليه تلقائياً، وحتى إن هذه التعب والإعياء يظهر واضحاً في سلوكه وأعماله وأخلاقه.. إلا أن هذا الرجل العظيم لم يدع كل تلك المشاكل والمعاناة تظهر على سلوكه وتصرفاته داخل بيته، ولم يتعامل قط بشكل عنيف أو خشن مع أي من أفراد أسرته، سلوكه (قدس سره) كان راقياً ومتميزاً، بحيث أن أخلاقه مع أسرته تجعل الإنسان يتذكر، بلا اختيار منه، أخلاق رسول الله الأكرم (ص)؛ إذ كان سماحته أحد مصاديق الآية الشريفة (وإنك لعلى خلق عظيم). وفي أشد اللحظات، وأقسى الظروف الأمر الذي كثيراً ما يعرض لقائد إسلامي لم يتغير سلوكه أدنى تغيير مع أفراد أسرته، ولم تلحظ أية إمارة لعدم الارتياح أو الأسى في وجهه المبارك... أخلاقه الحسنة والمرضية لسماحته داخل أسرته تفوق الوصف؛ فحسن البشر، وحسن التصرف، والتسامي الأخلاقي، وحلاوة الحديث، كانت طريقته الثابتة والدائمة في التصرف مع أهل بيته.. ج2- مع وجود المسؤوليات الجسام والأعمال والواجبات المتزايدة التي يتحملها مرجع مثله، معروف على مستوى العالم، إلا أنه لم يكن يقصر في تقديم أية مساعدة أو أي أمر يخدم به أسرته؛ ففي الوقت الذي تتراكم فيه الأعمال داخل المنزل دون أن يتواجد أحد للمساعدة، يبادر سماحته إلى تقديم العون من فوره، حتى أنه كان يغسل الملابس أو الصحون بيديه الشريفتين، وحينما يقول له أحدنا: لا نرضى أن تقوم بمثل هذه الأعمال، يبادر سماحته بالقول: (يد الله مع الجماعة). ويحصل كثيراً أن يوقظ أولاده صباحاً قبل موعد بدء الدوام المدرسي، ويحضر لهم مائدة الفطور، ليذهبوا بعد ذلك إلى مدارسهم. كما أن سماحته كان يشارك نساء البيت في إعداد الطعام، وخاصة وقت العشاء، أو كان أيضاً يتعاون مع أهل بيته في مراقبة الطعام، وصبه، أو بسط السفرة ووضع الطعام عليها، وعندما كان يأتي بعض الضيوف إلى المنزل، يقوم سماحته شخصياً في أداء الواجبات المتعلقة في إعداد مائدة الطعام، ويشكر جميع من شارك في استقبال وخدمة ضيوفه... وكان (قدس سره) يقوم بإنجاز سائر أعماله المرتبطة به شخصياً، ولا يطلب شيئاً من أحد، حتى لو كان بقدر جلب قدح من مياه الشرب.. وفي سنوات حياته الأخيرة منعه الأطباء، بسبب مرضه من النهوض والوقوف الكثير، أو القيام والقعود المتتابع، بيد أنه - رغم ذلك - كان يبذل ما يستطيع من جهد لإنجاز أعماله، والقيام بشؤونه الشخصية، حتى لا يضطر أن يعهد بها إلى أحد غيره... ج3- كان في مقدمة وصاياه (قدس سره) على الدوام، التسامح، وسعة الصدر، وحسن الخلق، وكان يعمل بجميع ما يقوله، وفي كل كلمة كان يقولها يسوق موعظة وحكمة ويعلمنا جميع ما يتعلق بدروسنا، بصبر وأناة، دون أن يتصرف تصرفاً خارج المألوف، أو يرفع صوته بوجه أحد. كان يتحلى بسعة صدر فريدة، فإذا ما لاحظ تقصيراً أو اختلالاً في أي من الأعمال لا يبدي غضباً أو انزعاجاً، أو أية إمارة تدل على أنه غضبان أو غير مرتاح؛ فكان (قدس سره) يعمل بعفو وصفح أجداده الطاهرين (عليهم الصلاة والسلام). كان يرتسم على وجهه المبارك وقار وهدوء ملفت، ولم تفارقه الابتسامة قط، إنه مصداق واقعي ومظهر بارز للآية الكريمة: (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين). إن معاشرة مثل هذا الرجل الرباني تبعث على السرور والسعادة، طريقته في التعاطي مع الشؤون والمسائل المختلفة كانت سبباً في شيوع حالة من الاطمئنان وهدوء البال على جميع أفراد أسرته؛ فعندما كان يتعرض أحدهم لأمر لا يسره، أو يوجب غضبه، يدعوه سماحة الإمام (قدس سره) إلى التماسك والهدوء، ثم لا يلبث أن يعيد إليه انبساط الخاطر، وراحة النفس، عبر ذكر آية أو رواية. كما لم يجبر أحداً قط على أداء عمل معين، فلم يكن صعباً متحكماً في كلامه، ولا متتبعاً أخطاء أو هفوات عند أداء أي عمل، ولم يضغط على أي فرد من أفراد أسرته في أي شأن من الشؤون. ج4: كانت له علاقة عطف وحنان خاصة مع الأطفال، بحيث أن سماحته كان يعاملهم كما يعامل أحفاده، بلا أدنى فرق، وإذا حضره عنده طفل، يضعه في حجره ويغرقه بلطفه ومحبته؛ ولذا كان الأطفال يبادلونه الحب، وينجذبون لخصاله الخلقية غير العادية، ويبدون ميلاً شديداً لرقته وحنانه، ويترددون بكثرة على غرفته ليروه، ويجلسوا عنده. لم يعاقب أطفاله أو يتعامل معهم بقسوة قط، بل كان يخالف تماماً هذا الأسلوب، فكان يعطف عليهم، ويرق لهم، ويناديهم بأحب الكنى والأسماء إلى نفوسهم، ولم يؤاخذهم على أخطائهم وتقصيرهم، وإنما ينبههم ويذكرهم بمواطن الأخطاء، بأسلوب يفيض حناناً ورقة. وإذا ما قدم له أحد أولاده خدمة ما، بالغ في شكره وتقديره إلى درجة يصبح معها ولده خجلاً، ويظل في انتظار أية فرصة تتيح له خدمة والده المعظم (قدس سره). وحينما يعزم أحد أولاده على السفر، يشايعه إلى باب الدار، ويدعو له بالسلامة والتوفيق، وعند عودته يبادر إلى استقباله عند باب الدار أيضاً، ويصحبه إلى أن يستقر به المجلس، ثم يبدأ بالسؤال عن أخباره وبرامجه، وتفقد أحواله بمنتهى العناية واللطف، حتى لو صادف قدوم المسافر بعد منتصف الليل. الوصول إليه (قدس سره) والجلوس معه، كان مسيراً وممكناً في أي وقت من ليل أو نهار، وإذا حضر عنده أحد لطرح مسألة من المسائل، فإنه يلقى عنده أذناً صاغية، ويحظى باهتمام وتوجه خاصين، لأدق تفاصيل كلامه، ويحصل بالتالي على الإيضاح والتوجيه الكافيين، والحل المناسب لمسائله، وكان (رضوان الله عليه) يشاور أولاده في كثير من الأمور والموارد. وإذا شاهد أباً أو أماً يعاقب ولده، فإنه يقدم له النصيحة بأن يرفق بطفله، ويتصرف معه تصرفاً حسناً ولو سمع طفلاً يبكي، فإنه يبادر إليه، ويحتضنه بعطف وحنان، ويعده بوعود جميلة، أو يقدم له حلوى وطعاماً، أو يحكي له قصة ممتعة، حتى يهدأ. وكثيراً ما يحصل أن يخصص طائفة من وقته الثمين لسرد قصة أو حكاية تربوية مؤثرة، بأسلوب جميل وجذاب يأخذ بمجامع القلوب. النصائح والتوجيهات التي كان يبديها، تؤثر بقوة في نفوس جميع أفراد الأسرة، وغالباً ما كان سماحته (قدس سره) يرفق تلك النصائح بذكر نقاط مهمة ووقائع حياتية تجلب الاهتمام، ليرسم على ضوئها برنامجاً ومنهاجاً واقعياً للحياة. وبسبب الحنان الذي يقابل به الأطفال عند تناول الطعام، فإن هؤلاء كانوا يحبذون الجلوس إلى جانبه عند السفرة، رغم أن غذاء الإمام الراحل (رض) كان في العادة بسيطاً جداً وقليلاً، وكان سماحته (قدس سره) يتقاسم معهم ذلك القليل والبسيط، ويطعمهم بيديه المباركتين. وعندما يمرض أحد أولاده، أو أحفاده، فإنه يعتني بهم شخصياً، ويعطيهم الدواء، ويحنو عليهم كالأم الرؤوم. حدث قبل عام من وفاته (قدس سره) أن مرض طفلان من أحفاده مرضاً شديداً، وحين ينتصف الليل ويشد بالطفلين المرض، يبادرهما بالحضور عند سريرهما، ليقدم لهما الدواء، ويعتني بهما، ورغم إصرار أمي الطفل على عدم تحمل هذا العناء والجهد من قبله، إلا أن هذا الإصرار لا يحدث وقعاً في نفسه الشريفة، بل يواصل العناية والحدب عليهما، حتى في أوقات راحته ونومه، فيظل يقظاً ويقضي وقته بالمطالعة والتحقيق، ولا يهدأ له بال أو تغمض له عين، إلى أن يطمئن على تحسن وضعهما الصحي. ج5- كان (قدس سره) يحب أحفاده بشدة، وبسبب سماحته وسعة أخلاقه، فإن غرفته كثيراً ما تتحول إلى مقر لتجمع الأطفال، وحين يأتي الكبار لأخذهم خارج الغرفة، فإن الإمام (رض) يمنعهم، ويطلب إبقاءهم إلى جانبه، ويقول لهم: (اتركوا الأطفال وشأنهم)... وبما أن غرفته الصغيرة ذات بابين، أحدهما يؤدي إلى الداخل، والثاني إلى باحة الدار، فقد صارت ممراً للأطفال، حتى في وقت استراحة الإمام (رض)، وقد طلب إليه غير مرة أن يغلق أحد أبواب غرفته، منعاً من مرور الأطفال وإزعاجه بيد أنه كان يصر على إبقاء البابين مفتوحين، حتى في منتصف الليل، ويقول: (دعوا الأطفال أحراراً). ونظراً لقلة عدد غرف المنزل، فإن غرفته الخاصة بالمطالعة، كانت في الواقع محل قيام وجلوس، وذهاب وإياب الجميع، ولذا كان الأطفال يأخذون معهم أحياناً نظارته الخاصة بالمطالعة، أو قلمه الخاص بالكتابة والتأليف، حتى أنه في السنوات الأخيرة، وبسبب كثرة تأليفاته، أصيب أحد أصابع يده اليمنى بأذى شديد، مما اضطره في الأحيان، إلى تسجيل تأليفاته على شريط مسجلة، ومن ثم يقوم أحدهم بكتابتها على الورق.. ذات مرة عبث أحد الأطفال بالمسجلة، وبلا قصد أتى على جميع ما جرى تسجيله من كتابات قيمة وكثيرة لسماحته، فمحاها عن آخرها، ولما علم الإمام (قدس سره) عليه بذلك، لم يبد أي انزعاج أو غضب، رغم شدة الموقف، وفي نفس الوقت لما أرادت أم الطفل تأديبه ومعاقبته، دعاها إلى الهدوء والصفح. ذلك الرجل الكبير كان قدوة ونموذجاً متكاملاً في الأخلاق والسلوك لأسرته، بحث أن كل واحد من أولاده انطبعت في ذهنه قصص وخواطر كثيرة جداً عن السيد الإمام الراحل (رض)... ج6- هذا السؤال جرى توجيهه إلى اثنين أو ثلاثة من أحفاد الإمام الراحل وفيما يأتي أورد عبارات نقلت عن لسانهم: أحد الأحفاد يقول: (ذلك الرجل العظيم الشأن كان يوليه أهمية كبيرة لمسألة التعليم والتعلم، لذا كان يوجه لنا أحياناً أسئلة تتعلق بالدروس التي نقرأها، فإذا أجبنا عليها بشكل صحيح، ارتسمت ابتسامة مشرقة على وجهه المبارك، وقابلنا بكلمات تشجيعية من نحو! أحسنت وما شاء الله... أما إذا لم نقدم الإجابة الصحيحة، أجاب هو على السؤال الإجابة الصحيحة، وكان يحدثنا بشكل لا نشعر معه باليأس والإحباط، بل يزرع فينا الأمل بمستقبل زاهر. وكلما تبادر إلى أذهاننا سؤال حضرنا عنده بسهولة، وبدوره يستمع إلينا ويجيب على كل أسئلتنا بكل هدوء وأناة). ويقول حفيد آخر: (في الأيام التي كنت أقرأ فيها عن السيوطي، سألني الإمام (قدس سره) قائلاً: ماذا تقرأ؟ فذكرت له اسم الكتاب الدراسي، ومن جملة ذلك كتاب السيوطي، فبادرني (رضي الله عنه) بالسؤال وقال: أتحفظ أشعاره أيضاً؟ فقلت: نعم، فقرأ (قدس سره) بيتاً من أبياته، وطلب مني أن أذكر بقية الأبيات الشعرية فلما قرأت بقية الأبيات، لاحت على وجهه ابتسامة شملني سنا نورها، وشجعني، وقال لي أحسنت). وكان سماحته (قدس سره) يؤكد على نقاط كثيرة منها: قراءة الدروس بشكل متواصل، دونما فرق بين شتاء أو صيف، والكل يجب أن يكون مجداً في تحصيل العلم، تجنب الترفيه في غير موقعه، وكذلك الاستراحات المطولة، وإلغاء الرحلات المتتابعة، الإقلال من النوم، والاستيقاظ ليلاً لأجل تحصيل المزيد من العلوم، التوكل على الله، التوسل بأهل البيت (عليهم السلام)، عدم الإهمال في الدروس، عدم المبالاة بالكلام غير المجدي، ومواصلة التحصيل لبلوغ الأهداف العالية، والأفكار الرفيعة. ويقول حفيد ثالث: (لأجل تقوية عزائمنا، وشحذ هممنا لمواصلة الدروس، كان (قدس سره) يبين لنا طريقته الخاصة في قراءته للدروس، ويقول: في أيام شبابي كان متعيناً علي تحضير وإنجاز (21) درساً مختلفاً، وكانت ساعات نومي في كل ليلة، تتراوح بين (3 - 4) ساعات فقط، وكنت ابتعد كلياً عن الكماليات، والأمر الذي يحظى بأهمية كبيرة لدي، هو إرضاء والدي وخدمتهما..). وهذا في الحقيقة سر من أسرار نجاحاته وتوفيقاته، وحقاً أن هذا الأب الكبير كان بالنسبة لنا أفضل نموذج وخير أسوة نعيش في ظلالها السابغة. |
|