الصفحة الرئيسية

العدد 76

اتصلوا بنا

 

وتستمر المسيرة

بمرجعية آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي (دام ظله)

 

قبل الإسلام، كما أن البعض كانوا يكرهون النساء على البغاء ليجلبن لهم المال، ومن جانب آخر كانت المرأة عند مختلف الشعوب الأوروبية والغربية تعد من الحيوانات.. إلى غير ذلك من صور العنف والقسوة التي تعرضت لها المرأة قبل الإسلام.

ويشير سماحته إلى أن إهانة المرأة والتعامل معها بالعنف والقوة والقهر، لم يكن خاصاً بالجاهلية وبفئة خاصة بل كان أمراً عاماً، وقد كانت بعض المجتمعات تحتقر المرأة فلا تعتبرها أهلاً للاشتراك مع الرجل في النشاط، وهذا موجود إلى هذا اليوم حتى بين المسلمين على الرغم من أن الإسلام أثبت للمرأة حقها في ممارسة نشاطها وجعل دورها مشروطاً بالعفة والكرامة، في شتى المجالات، قال سبحانه: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) (التوبة:71).

لقد أشار الإمام (قدس سره)  إلى الكثير من الآيات والأحاديث الشريفة التي تؤكد على أن الإسلام دين يتساوى فيه الرجل والمرأة في جميع الأمور والأحكام إلا ما خرج بالدليل وكان الاستثناء لمصلحة المرأة نفسها.

وقال سبحانه: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثّ فيها رجالاً كثيراً ونساءً) (النساء: 1).

وأشار سماحته أيضاً إلى الروايات الدالة على كرامة المرأة في الإسلام ولزوم احترام ورعاية حقوقها، وعمل أيضاً في الكثير من كتاباته على توضيح وإزالة بعض الشبهات التي يروج لها ويشيعها أعداء الإسلام، مثل أن الإسلام ينتقص من قدر المرأة ويظلمها ويحرمها من حقها في التعليم والثقافة والعمل إلى غير ذلك من الدعوات الباطلة التي يروج لها ضعاف الفهم والإدراك  لحقيقة الأمور، وممن  يفسر بعض الروايات والأحاديث بصورة سطحية خاطئة وبعيدة كل البعد عن حقيقتها، خصوصاً بعض أقوال الإمام علي (ع) في المرأة والتي قالها في مناسبات خاصة أو في بعض النساء بصورة خاصة.

ويشير الإمام أيضاً إلى قداسة المرأة في الإسلام ومدى قابليتها لنيل المراتب العليا عند الله تعالى مستدلاً بذلك بما ذكره  القرآن الكريم في بعض آياته لسيرة بعض النساء وقداستهن، كأم موسى (ع) والسيدة مريم (ع) وآسية امرأة فرعون ولا ينسى الإمام الإشارة إلى المثل الأعلى للمؤمنات السيدة خديجة الكبرى (ع) وابنتها الصديقة فاطمة الزهراء (ع).

ثقافة اللاعنف

لقد أكد الإمام الشيرازي (قدس سره) على ضرورة الإيمان بثقافة التسامح واللاعنف كقيمة داخل  ذواتنا وأن نسعى جميعاً لتطبيقها على أرض الواقع، لا أن نحملها كشعار أجوف فوق صدورنا، وأن من اللازم على الحركة الإسلامية أن تأخذ من السلام شعاراً لها، ولا يتسنى للحركة ذلك إلا بالتلقين الدائم، كما ينبغي لها أن تتخذ من السلم واللاعنف شعاراً واقعياً لا دعائياً فقط، في القول والعمل والفكر والتأليف والخطابة والاجتماع.

وقد ركز الإمام على أهمية الكتابة في موضوع اللاعنف، من أجل نشر الوعي وثقافة اللاعنف في المجتمع، باعتبار أن الثقافة هي التي ترسم للأجيال مسيرتها وهي التي تحدد طريقة تعامل الأمة مع الأحداث والوقائع وتعين مستقبل الأمة، ولعل من نقاط القوة في فكر الإمام الشيرازي أنه استطاع تربية جيل من العلماء والمثقفين الذين حملوا على عاتقهم التبشير بنظرياته المختلفة ومنها نظريته في السلم واللاعنف.

لاشك أن المرجعية الدينية والقيام بمهام الدين وشؤونه الشرعية والاجتماعية والسياسية تحتاج إلى رجال أفذاذ لهم من الأصالة وخبروية التجارب وحكمة العقل والتدبير بقدر ما لهم من الاجتهاد والفقاهة والاطلاع في شؤون الفتيا والحكم.

وقديماً نسب إلى الميرزا الشيرازي الكبير (قدس سره) الذي انحصرت به المرجعية العليا في بعض مراحل مرجعيته، وكانت حالة نادرة في التاريخ الشيعي أن تنفرد المرجعية برجل واحد م أفذاذها ورجالاتها.

وتكون المرجعية العليا للطائفة في ثلاثة أجزاء: جزء منها علم واجتهاد وفقاهة، وجزء آخر منها تقوى وعدالة، وثمانية وتسعون جزء منها إدارة وتدبير وتصدي للأمور الاجتماعية والقيادية في الأمة.

وفعلاً كان (قدس سره) من أجلى مصاديقها حيث كان زعيم الحركة الجماهيرية الدينية العامة ضد الاستعمار الإنكليزي في إيران والعراق.

وعائلة الإنسان هي أول وعاء يتشكل فيه وعيه، وتغرس في نفسه بذور الخير أو الشر، الحب أو الكراهية، التسامح أو التعصب.

ومن خلال العائلة ينتسب الفرد قيم المحيط الذي يترعرع فيهن وقيم المجتمع الذي تشكل عائلته نواة من خلاياه..

أسرة المرجع

يصل نسب آية الله العظمى الديني السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) إلى أجداده المعصومين (عليهم السلام) فهو من أبناء زيد الشهداء بن الإمام زين العابدين بن الإمام الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب (ع).

ولد ونشأ سماحته في أسرة عريقة وشاخصة في الفقاهة والمرجعية كان لها الدور البارز في تاريخ المسلمين منذ قرن ونصف منهم:

1- المرجع الديني الأعلى آية الله العظمى السيد محمد حسن الشيرازي (قدس سره) المعروف بالمجدد الشيرازي صاحب نهضة التنباك الشهيرة.

2- المرجع الديني الأعلى آية الله العظمى الميرزا محمد تقي الشيرازي (قدس سره) قائد ثورة العشرين في العراق.

3- المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد علي الشيرازي (قدس سره) نجل المجدد الشيرازي من كبار مراجع الشيعة في النجف الأشرف.

4- آية الله العظمى السيد إسماعيل الشيرازي (قدس سره).

5- المرجع الديني الأعلى آية الله العظمى السيد عبد الهادي الشيرازي (قدس سره).

6- المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد ميرزا مهدي الشيرازي (قدس سره) والده من كبار مراجع الشيعة.

7- آية الله الشهيد السيد حسن الشيرازي (قدس سره) أخ الإمام الشيرازي الذي قام ولأول مرة بتأسيس الحوزة العلمية في جوار السيدة زينب في السبعينات الميلادية وكان له قصب السبق في مد جسور التعاون مع الشيعة العلويين في سورية ولبنان.. وفي التعريف بهم اعتبارهم شيعة أهل البيت (عليهم السلام).

8- المرجع الديني الأعلى آية الله العظمى السيد محمد الشيرازي (قدس سره) أخوه.

أساتذته

ولد آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي في 20 ذي الحجة من عام 1360هـ‍ في كربلاء المقدسة، وقد تلقى العلوم الدينية على يد كبار العلماء والمراجع في الحوزة العلمية بكربلاء المقدسة حتى بلغ درجة سامية من الاجتهاد، ومن كبار أساتذته:

1- والده آية الله العظمى السيد ميرزا مهدي الشيرازي (قدس سره).

2- آية الله العظمى السيد محمد الميلاني (قدس سره).

3- آية الله العظمى الشيخ محمد رضا الأصفهاني (قدس سره).

4- أخوه الأكبر آية الله العظمى السيد محمد الشيرازي (قدس سره).

وغيرهم وقد شهد بعضهم له بالفقاهة والتحقيق وأرجع المؤمنين إليه في التقليد والفقاهة والفتيا والشؤون الاجتماعية العامة لا يأمرها بعض إرجاع سماحة السيد لذلك أو كلمات، وإشارة إليه.

وقد بدأ آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي بتدريس الخارج فقهاً وأصولاً منذ اكثر من عشرين عاماً وذلك في الكويت عام 1398هـ‍ ولا زال مستمراً في قم المقدسة بتدريس الفقه والأصول ويحضره الكثير من العلماء والفضلاء.

أعلميته

المشهور بين الفقهاء اشتراط الأعلمية في مرجع التقليد، وقد استدل بذلك ببعض الروايات وبدليل العقل وبوجوه أخرى.

ويعد كتاب (شرح العروة الوثقى) و(بيان الأصول) لآية الله العظمى السيد صادق الشيرازي (دام ظله)، وهكذا تدريسه لخارج الفقه والأصول، محاوراته الفقهية التي تتم مع كبار العلماء خير دليل على أعلميته وأجوديته في الاستنباط، حيث يظهر منها لأهل الخبرة من العلماء أعرفية سماحته بالقواعد والمدارك واطلاعه الواسع على الأشباه والنظائر الفقهية وإحاطته بكتب الأخبار والآراء الفقهية المختلفة واستناده المتين إلى الكثير من الآيات والروايات في تأكيد استنباط حكم شرعي واستنباط لحكم شرعي حتى المسائل المستحدثة مضافاً إلى كثرة النقض والإبرام العلمي مع المحققين وإلمامه الواسع بالفقه المقارن وكثرة التعريفات الفقهية المستنبطة من الأدلة الشرعية وهذا ما  يلاحظ في كتبه العلمية ومناقشاته في مجلس الدرس والمحاورات الفقهية المتعارفة بين الفقهاء والمراجع.

ومن أهم ما يلاحظ في حياته العلمية مزاولته للفقه أكثر من أربعين عاماً بشكل مستمر ويومي.

وقد تميز سماحته (دام ظله) بفسح المجال الكافي لتلامذته لطرح الاشكالات العلمية في الدرس والإجابة عليها برحابة صدر وإتقان، وإذا أخذت البعض منهم هيبة الأستاذ وعلو شأنه ودقة نظره، كان يحثهم على السؤال أو ممارسة المناقشة ليمر سهم له العديدة من كبار الفقهاء والمجتهدين من أهل الخبرة بالمقام الرفيع، والقدسية والنزاهة والإخلاص وشدة الولاء لأهل البيت (عليهم السلام) والتأسي والسير على نهجهم القويم.

كما أن الإمام الراحل آية الله العظمى السيد محمد الشيرازي (قدس سره) كان يرجع في احتياطاته إلى أخيه السيد صادق الشيرازي (دام ظله) ولما سئل (قدس سره) عن الأعلم أشاد بأخيه (دام ظله).

وقد كان آية الله العظمى السيد صادق (دام ظله) هو الذراع الأيمن في مرجعية أخيه الأكبر في مختلف المجالات وخاصة ما يرتبط بالجانب العلمي والحوزوي والمراجعات الاستفتائية وما أشبه، كما كان له الدور الكبير في تدبير الأمور الاجتماعية العامة الدالة على كفاءته وخبرويته العالية في إدارة المجتمع والنهوض به إلى التقدم والرفاه.

نشاطاته الاجتماعية

1- المؤسسات:

وقد اهتم آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي (دام ظله) بالمؤسسات الدينية والإنسانية والثقافية والخيرية، فقد نشئت العديد من الهيئات المساجد والحسينيات والمدارس والمكتبات ودور النشر والمستوصفات بإرشاد منه وتشجيع من سماحته (دام ظله).

2- التربية:

وقد أولى آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي للتربية العلمية والأخلاقية الأهمية القصوى فعقد دروساً مستمرة في الأخلاق والعلوم الحوزوية المختلفة وذلك في العراق والكويت وإيران، وقد تخرج على يديه العديد من العلماء والفضلاء والزهاد والكتاب والخطباء وغيرهم كما تربى على يديه وفي مجالسه التربوية وتحت منبره التوجيهي والتوعوي الآلاف من الشباب المؤمنين والمثقفين من شتى القوميات بما أعد منها مكتبة صوتية كبيرة وشاملة لمختلف الجوانب الأخلاقية والتربوية.

3- الأخلاق الرفيعة:

إن الخلق الإسلامي النموذجي هو الطابع الذي يميز حياة آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي (دام ظله) الشخصية ومسيرته العلمية طوال نصف قرن من الزمن.

فلقد لمس فيه القاصي والداني الزهد في جميع أبعاد حياته والإعراض عن مباهج الحياة الدنيا والتقوى والورع والتوكل على الله وتفويض الأمر إليه والتواضع الكثير للناس واحترام الصغير والكبير والصبر والصمود والثبات والاستقامة وتحمل شتى المصاعب والمتاعب في سبيل إعلاء راية الإسلام والحب لله وفي الله وخدمة الناس ومداراتهم وسعة الصدر والإغضاء عن الأذى والعفو عند المقدرة، فهو بذلك خير أسوة وخير قدوة يقتدي به في مكارم الأخلاق ومحاسن الأفعال.

4- التأليف:

بدأ آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي (دام ظله) التأليف في مرحلة مبكرة من عمره الشريف ولا يزال يواصل ذلك في مختلف العلوم الإسلامية خاصة العلوم الحوزوية الفقهية  والأصولية وقد تجاوزت مؤلفاته الخمسين كتاباًن من أهمها كما كتبه للعلماء وأساتذة البحث مثل شرح العروة الوثقى وبيان الأصول وهذه أسماء بعض من مؤلفاته:

- توضيح شرائع الإسلام: وهو شرح توضيحي على (شرائع الإسلام) للمحقق الحلي (قدس سره) 4 مجلدات.

- شرح تبصرة المتعلمين: شرح نشري على كتاب  (تبصرة المتعلمين في أحكام الدين) للعلامة الحلي (قدس سره) مجلدان.

- شرح السيوطي: شرح تعليقي على كتاب (البهجة الموضعية في شرح الألفية) للسيوطي.

- شرح اللمعة الدمشقية: شرح تعليقي واف على كتاب (شرح اللمعة الدمشقية) للشهيد الثاني (قدس سره) 10 مجلدات.

كما ألف سماحته (دام ظله) جملة من الكتب الهامة لنصرة الحق والدفاع عن مذهب أهل البيت ونشر مذهبهم منها:

- علي في القرآن: مجلدان حيث سماحته 711 آية شريفة من القرآن الكريم التي نزلت في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)  حسب مصادر أهل السنة.

- فاطمة الزهراء في القرآن: يشتمل الكتاب على بيان الآبيات التي نزلت في فاطمة الزهراء (ع) حسب مصادر أهل السنة.

- المهدي في القرآن: يشتمل الكتاب على مجموعة كبيرة من الروايات التي حددت عن رسول الله (ص) حول الإمام الحجة (عج) في كتاب السنة ومصادرهم.

بالإضافة إلى العديد من الكتب الفكرية والثقافية مثل صلاة الجماعة ومنزلتها في الإسلام، الإصلاح الزراعي في الإسلام، السياسة من واقع الإسلام، مالك الاشتر النخعي، الطريق إلى بنك إسلامي، القياس في الشريعة الإسلامية و..

ومن الطبيعي أن جهداً جباراً كهذا يستلزم من أي باحث الصبر والجلد والذاكرة الثاقبة ودقة التنظيم في جمع مادة الكتاب الذي يعمل عليه وقد توفرت هذه الخصائص والملكات لدى سماحة السيد صادق الشيرازي (دام ظله) والتي يمكن اكتشافها من مطالعة المصادر والمراجع التي اعتمدها في دراساته التحقيقية لكل كتاب من تلك الكتب.


اقتباس من مجلة النبأ الصادرة عن المستقبل للثقافة والأعلام العدد