الصفحة الرئيسية

العدد 76

اتصلوا بنا

 

موسوعة الفقه

اعداد: لمياء الموسوي

إن الإمام الشيرازي (قدس سره) عالم ورع ومجتهد ومحقق وكاتب إسلامي مبدع ومؤلف مكثر ومرجع ديني مدبّر وخطيب بارع وعارف حكيم وفقيه فحل وأصولي متعمق ذو مواهب وقدرات علمية كبيرة..

إن أهم مؤلفات الإمام الشيرازي (قدس سره) هي (موسوعة الفقه) التي بلغت مائة وخمسين مجلداً في سائر فروع الفقه، فهذه الموسوعة شيء آخر مختلف تماماً نظراً لأنها تنطوي على جهد كبير ومثابرة جادة وتحقيق طويل وتدقيق مستمر، إضافة إلى غزارة العلم والمعرفة التامة والمتعمقة بأصول وفروع الفقه وقدرة كبيرة على الاستنباط والاستنتاج والاستدلال.

وفي الحقيقة أن كثيراً من الفقهاء العظام سعوا بشكل أو بآخر إلى كتابة موسوعة فقهية شاملة ولكن قليلاً منهم حالفه الحظ، وفي طليعتهم الشيخ محمد حسن النجفي صاحب الموسوعة الفقهية الشهيرة (جواهر الكلام في شرح  شرائع الإسلام) وقد ظهرت بعدها موسوعات فقهية أخرى إلا أنها كانت تتسم بالإيجاز، بيد أن الموسوعة الفقهية التي ألّفها سماحة المرجع الديني الأعلى السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره) تتميز عن ما سبقها من الموسوعات الفقهية في أنها سهلة البيان مما يجعلها منسجمة مع منطق العصر وبذلك توفر على المراجعين لها وقتاً أكثر، كما أنها تحتوي على معظم الآراء الفقهية، سواء تلك التي سجلت في موسوعات سابقة أو التي لم تسجل لسببٍ أو لآخر، مما يجعل المراجع في غنى عن البحث عنها في كتب أخرى، ثم أنها تعالج بأسلوب رصين معظم الأدلة المتصلة بالفرع المبحوث عنه، إضافة إلى أنها تحتوي على فروع فقهية عديدة قد لا يجدها المراجع في سائر الموسوعات والكتب الفقهية الشاملة.

وحول هذه الموسوعة، كتبت جريدة (النهار) البيروتية، بتاريخ 10  تشرين الثاني سنة 1989م تقول: (عني المرجع الفقهي الكبير السيد محمد الشيرازي بدراسة الفقه الإسلامي عناية فائقة وانصرف إليه انصرافاً كاملاً وظل في هذه العناية وهذا الانصراف سنين طويلة تكوّن له فيها العدد الجم من التلاميذ والمريدين والأتباع.

وظل طيلة  ذلك يدوّن ويسجل لإخراج موسوعة شاملة تكون مرجعاً لطالبي التوسع في هذه المادة العلمية الفائقة حتى استطاع بعد كفاح طويل ضم شتات الموضوعات المتناثرة في بطون الكتب الفقهية القديمة والحديثة وصاغها صياغة قريبة إلى الأفهام سهلة المأخذ، واضحة المقصد، وأخرج ذلك كله في موسوعة كبيرة عدد مجلداتها أكثر من مائة مجلد، فكانت أضخم مجهود فقهي حديث، وكانت قد طبعت طبعة قديمة وكثر الطلب عليها فصدرت عن (دار العلوم) في طبعة أنيقة. وميزة هذه الموسوعة (والكلام لا يزال لصحيفة النهار البيروتية) أنها:

1- كثيرة التفريعات، فطرح المؤلف تفريعات فقهية كثيرة حللها من وجهة نظر فقهية استدلالية شاملة معمقة.

2-معالجة القضايا المتجددة التي فرضها التطور العلمي الحديث.

3- استحداث دراسات جديدة في الفقه فكان بين مجلداتها مثل: (كتاب السياسة) و(كتاب الاقتصاد) (كتاب الاجتماع) و(كتاب الحكم في الإسلام) و(كتاب حول القرآن الكريم) على أن بعض هذه الدراسات مذكور بشكل أو بآخر في الكتب الفقهية الأخرى، وتم فرز هذه المسائل وتوبيبها وتنسيقها في هذه الموسوعة.

4- الاستعارة في صياغة الاستنباطات الفقهية عن النظريات الجديدة التي توصل إليها الفقه والأصول في القرن الأخير.

5- استحداث قواعد جديدة تتطور على أساسها عملية استنباط سلسلة من الأحكام الفقهية، كقاعدة (حجم النقد) والقوة الشرائية.

وقد طبع منها حتى الآن قرابة سبعين مجلداً وسيتواصل صدور بقية المجلدات، وفي أيدينا الآن المجلد الأول وهو في موضوع (الاجتهاد) ).

والواقع أن تأليف الموسوعات في مختلف العلوم والفنون يعتبر اليوم مهمة كبيرة وشاقة ليس بمقدور شخص واحد القيام بها وتبدو هذه المهمة اكثر صعوبة فيما إذا كان الأمر يتعلق بالفقه، حيث لابد من إعطاء رأي في كل فرع من فروعه وما يرافق ذلك من صعوبة استنباط الحكم من أدلته الشرعية مضافاً إلى كل ذلك تجميع المعلومات وتحريرها وتبويبها، وإن الفقهاء المتبحرين وحدهم يعرفون مدى صعوبة مثل هذا العمل الذي يحتاج قبل كل شيء إلى ذكاء مفرط ومثابرة في العطاء وإرادة لا تلين أمام العقبات وقدرة هائلة على تذليل الصعوبات وتخطي الموانع والمشاكل، والى وازع روحي ومعنوي قوي جداً يمكن وصفه بقوة دفع إلهية أو توفيق إلهي وهو ما توفر عليه سماحته الذي عكف على التأليف في هذه الموسوعة وأخرجها مجلداً بعد آخر وقد وصل في مسعاه الدؤوب هذا إلى إخراج هذه الموسوعة كاملة.

ويقول أحد الفضلاء: (وأرى أنه لو جرى التعريف بموسوعته الفقهية على نطاق واسع وبشكل متواصل ومستمر لزادت الاستفادة منها على مستوى الحوزات العلمية من جهة ولأصبح اسمه خالداً على مرّ العصور من جهة أخرى، ولسوف يقال عنه (صاحب الموسوعة الفقهية) بدل ذكر اسمه تماماً مثل كثيرين من فحول العلماء الماضين الذين يعرفون اليوم بأسماء كتبهم، أمثال: الشيخ يوسف البحراني المعروف باسم كتابه (الحدائق الناظرة في أحكام العترة الطاهرة). فيقال له صاحب الحدائق والشيخ جعفر الجناحي النجفي الذي عرف هو وآله باسم كتابه الشهير (كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء) فأصبح هو وذريته يلقبون بكاشف الغطاء والشيخ محمد حسن النجفي صاحب (جواهر الكلام) والشيخ مرتضى الأنصاري صاحب (الرسائل والمكاسب) والمولى الشيخ محمد كاظم الخراساني صاحب (الكفاية) والسيد محمد كاظم اليزدي صاحب (العروة الوثقى) إن هؤلاء العلماء الكبار وغيرهم كانت لهم مؤلفات عديدة لكنهم عرفوا بأهم مؤلف من بين مؤلفاتهم الكثيرة.

فبالنسبة لهذه الموسوعة الفقهية فإن من المهم نشرها على نطاق واسع وإيصالها إلى أولئك الذين سوف يستفيدون منها حقاً في أبحاثهم ودراساتهم الفقهية، لا أن تصبح زينة المكتبات الشخصية فقط، على أن من الواجب العمل على تسهيل تداولها وذلك بتجميعها في مجلدات أضخم ولكن بعدد أقل، مثلما فعلوا من قبل بكتب ذات مجلدات كثيرة مثل كتاب (أعيان الشيعة) الذي جرى تحجيمه في عشرة مجلدات فقط لغرض تسهيل تداوله.

وقد سعى سماحته (قدس سره) إلى تبسيط مواضيع كتبه وتقريبها إلى أذهان الناس قدر المستطاع لتعميم الفائدة منها وهو مسعى حسن جداً، وإن هذه ميزة مشتركة لكل كتبه، بيد أن الهدف من بعض كتبه هو التبسيط والتقريب إلى الأذهان،

 مثل كتابه

(تقريب القرآن إلى الأذهان) و كتاب (توضيح نهج البلاغة) وغيرها، فهو حريص جداً على تفهيم مبادئ الثقافة الإسلامية وتعاليم وآداب وأخلاقيات وواجبات ومحرمات الشرع المبين لأوسع مجموعة من الناس وإثبات أفضليتها ومصداقيتها بالنسبة للموجود منها في الأديان والمذاهب الأخرى.

وتتناول مواضيع كتبه مختلف العلوم الإسلامية من صرف ونحو ومنطق وحساب وهندسة وفقه وأصول واقتصاد إسلامي، إضافة إلى قضايا سياسية واجتماعية اقتصادية مطروحة الآن على الساحة السياسية الإقليمية والعالمية.

وبإلقاء نظرة سريعة على هذه الأسماء يتبين لنا بوضوح أنه قد صرف مجهوداً ضخماً استمر لسنين طويلة جداً في أمر التأليف، وانه قد عالج في كتبه مختلف المواضيع وشتى العلوم والفنون العقلية والنقلية والتي لها علاقة مباشرة وغير مباشرة، بالدين وأصوله وفروعه وتعاليمه وشعائره، وأنه قصد من وراء كل هذا المسعى الكبير والجهد المتواصل إلى نشر الثقافة والعلوم الإسلامية وتقريب مفاهيمها إلى الأذهان على أوسع نطاق وبذلك ساهم مساهمة كبيرة في إغناء المكتبة الإسلامية وأسدى خدمة كبيرة للإسلام لا تنسى أبداً.

وأخيراً وليس آخراً سيستمر الحديث عن سماحة آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره) طالما انه استمر طوال حياته الشريفة في عطائه الفكري والعلمي.