|
الصفحة الرئيسية | العدد 71 | اتصلوا بنا |
|
الطلاق هل هو اختيار ام اضطرار؟ |
منى الموسوي |
|
من نعم الله سبحانه وتعالى التي من بها على الإنسان هو الزواج، الذي من خلاله
يتمكن الإنسان، رجلاً كان أم امرأة، من التمتع بقسط وافر من الاستقرار
والاستقلال وتأسيس حياة أسرية مع الشريك الموافق والمناسب، فلا يوجد مكان يجد
فيه الإنسان الراحة والأمان مثل محيط أسرته؛ قال تعالى: (والله جعل لكم من
بيوتكم سكنا) وقال أيضاً: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا
إليها) فالزواج - إذن - مطلب طبيعي لا بد منه لما يتبعه من آثار طيبة في
النفوس البشرية الميالة فطرياً إلى هذا الرباط المقدس، ولذلك فرضه الله على
عباده وجعله سنة لنبيه(ص)؛ قال رسول الله(ص): (ما بني في الإسلام بناء أحب
إلى الله عز وجل وأعز من التزويج) فكل نعمة يحسبها الإنسان مغنية عن الزواج،
يكون مخطئاً في حسابه؛ لأن الزواج حبل سماوي يربط بين القلوب ويقرب بين
الأباعد ويساعد على التقارب بين الناس بالمصاهرة؛ قال رسول الله (ص): (مسكين
من لم تكن له زوجة ولو كان ثرياً، ومسكينة من لم يكن لها زوج ولو كانت ثرية)،
ولكن للأسف الشديد هناك من لا يقدر هذه النعمة العظيمة حق قدرها فيحولون هذه
الرابطة المشتركة المبنية على الحب والمودة من قبل الله تعالى: (وجعلنا بينهم
مودة ورحمة) إلى بغض ومقت وصراعات ونزاعات لا نهاية لها؛ فيتحول البيت الأسري
إلى جحيم لا يطاق، وبدل أن يكون مأوى أمين ومكان راحة وأنس، يتحول إلى سجن
ملؤه ظلمة المشاحنات والأنانية؛ مما سيقود أخيراً وللأسف الشديد إلى فك هذا
الرباط المشترك بالإقدام على الطلاق، وهذه الخلافات العائلية والاضطرابات
التي تقع بين الزوج والزوجة لها أسبابها العديدة وعواملها المختلفة، ومن
أهمها: |
1: عدم معرفة الزوج أو الزوجة بوظائف الزوجية |
من الأشياء البديهية أن الإنسان إذا أقدم على عمل معين ليس له معرفة
مسبقة به وعدم اطلاع عليه، فإنه يحاول أن يجمع معلومات كافية عنه ويهيئ نفسه
ويستعد تماماً قبل القيام به حتى يتسنى له إنجازه بشكل جيد، فالاستعداد لأي
شيء ضروري فكيف بالزواج وهو عمدة كل عمل وأهم إنجاز في حياة كل إنسان، فما
نراه في مجتمعنا على عكس ذلك حيث نرى الآباء والأمهات يعطون أهمية كبيرة
للمهر والصفات الجمالية والشراء والتبضع لتوفير مستلزمات الزواج، دون إعطاء
أي أهمية لمسألة التهيؤ للزواج؛ فنراهم يرسلون ابنتهم إلى بيت الزوجية وليس
لديها أدنى فكرة عن مسؤولية البيت ومهامه من أعمال الطبخ والغسل، وأهم من
كل هذا وذاك مداراة الزوج، وكيفية التعامل معه بما يرضي الله ورسوله وآله
صلوات الله و سلامه
عليهم، وإن سعادة الأسرة قائمة على طريقة تعاملها في البيت فلو شاءت لجعلت من
بيتها جنة على الأرض أو أن تبدل تلك الجنة بجحيم حامية، فالمرأة باحترامها
لزوجها واهتمامها به وبطلباته وتلبيتها له بكل أدب واحترام واستقباله بوجه
باسم ينسيه تعب يومه؛ قال رسول الله (ص): (لا تؤدي المرأة حق الله عز وجل حتى
تؤدي حق زوجها)، فالرسول (ص) هنا يقرن طاعة الله بطاعة الزوج لأهمية دوره في
الأسرة ومركزيته ومكانته، وهذا شيء لا يخص المرأة فقط، فإن هناك أيضاً
رجالاً يتزوجون دون أن يكون لهم أدنى اطلاع على مسؤوليات الحياة الزوجية
وإدارة البيت وكيفية التعامل مع المرأة وإعطائها حقها من الاحترام والود، قال
رسول الله (ص): (لا يكرم المرأة إلا من كان فاضلاً، ولا يهينها إلا من كان
وضيعاً)، ففي بداية كل زواج يحدث هناك بعض الاضطراب وشيء من الفوضى بسبب
الحياة الجديدة ومحاولة التعود عليها؛ فهناك من الأزواج من ألف بعضهم البعض،
وتعرفوا على أخلاق وسلوكيات بعضهم فعاشوا حياة هادئة سعيدة، ومنهم من أخذته
الأنانية وحب التسلط وحب الأنا مما أدى به إلى الصراعات والأزمات النفسية
وعاش مع شريكه تحت سقف واحد عيشة بغيضة منغصة ومنهم من اختار الطريق الأسوأ
وهو الطلاق، فلو تنازل أحدهما للآخر وغض الطرف عن بعض مساوئ شريكه في الحياة
لعاشا حياة هانئة بعيدة عن الكدورات والمنغصات. |
2: التربية العائلية للزوج أو الزوجة |
يعتبر الزوج والزوجة ركنين أساسين في الأسرة؛ فبعد اجتماعهما تحت سقف واحد يتعرف أحدهما على الآخر عن كثب. وقد توجد هناك فوارق وتفاوت بينهما من حيث الأخلاق والتربية والتصرف وآداب المعاشرة ومستلزمات الزوجية، ومعرفة أحكام الدين الحنيف وقوانينه وغير ذلك، فلا يخلو أحد من القصور، فالكمال لله وحده، فبعد أن وقع كل من الزوج والزوجة على عقد الزواج، هذا الرباط المقدس الذي يفترض أن يربطهما العمر كله، مع الضمان من الله عز وجل بجعل المودة والرحمة بينهما، فإن وجد أحدهما في الآخر شيئاً ينقصه، أو جهلاً معيناً أو عدم دراية أو معرفة بأمور الحياة، فهذا لا يعني نهاية العالم، وليس هو بمشكلة عسيرة يصعب حلها؛ فإذا كان الزوجان حريصين على استمرار مسيرتهما الحياتية معاً فتعليم بعضهما البعض أمر جميل، فلا شيء عسير مع نعم الله تعالى التي وهبها للإنسان من عقل يتفهم وإدراك للأشياء وحب للتعلم، ولكن كل هذا مشروط بالابتعاد عن التعالي والغرور والعزة بالنفس، وخصوصاً عند بعض الأزواج الذين يظنون أن من العيب أن يتعلموا من امرأة وهذا الأمر غير صحيح، فهذا أمير المؤمنين (ع) يقول: (وراء كل رجل عظيم امرأة) فهذه المرأة ليست أي امرأة فهي شريكة الحياة ورفيقة الدرب والملاذ والملجأ والسكن؛ والله تعالى يقول: (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) ومع الحرص من الزوجة على عدم إظهار جهل الرجل أمامه أو بيانه كنقص فيه بل يجب أن يكون تعليمها بأسلوب حسن طيب وبكلام جميل لا يشعره بالحرج، أيضاً هناك من الزوجات من يرين أن التعلم لا جدوى منه، فقد انشغلن بالبيت ومهامه ومسؤولياته فلا حاجة بهن للتعلم وخصوصاً بعد مضي فترة من العمر، وكأن العلم مرهون بفترة عمرية محددة!!، فالمرأة الواقعية الملتزمة بما فرضه الله عليها من واجبات قادرة على تحسين وضعها للأفضل لأجل بناء بيت سعيد لا تنفذ إليه المشاكل؛ قال أمير المؤمنين(ع): (جهاد المرأة حسن التبعل) وهنا على الزوج الحرص على أن يتعب قليلاً؛ وقد يستلزم الأمر وقتاً طويلاً؛ لكنه لا يخلو من ثمار طيبة ونتائج حسنة تأتي بالنفع عليه وعلى أسرته ليحظى بزوجة واعية وأم مثقفة، قال رسول الله (ص): (ما استفاد رجل بعد الإيمان بالله أفضل من زوجة موافقة). |
3: التدخل العشوائي لأهل الزوجين |
لا يخلو بيت من حدوث مشاحنات لسبب أو لآخر، من جهة الزوج أو الزوجة، وهنا لا
بد من تصرف حكيم وعقلاني بعيد عن التعصب بالرأي فلا بد من وجود لين من جانب
أحدهما ليسهل العسير، أما إذا كانت الزوجة عنيدة وكرامتها لا تسمح لها
بالتساهل والتنازل والزوج هو رجل البيت وكلامه وحده المسموع فيه، وقد أعمى
الغضب عينيه،
حينها
سيزداد الأمر سوءاً أو كل منهما قد وضع الزيت على النار وسرت النار في الهشيم
وهنا لا
بد
من تدخل طرف ثالث بينهما خاصة وأن هذا البيت المغلق على اثنين، قد انكشف ستره
وبانت أسراره وعرف القريب والبعيد ما يدور فيه، ويبدأ النزاع على أشده بين
أهل الزوجين خصوصاً إذا لم يكونوا على قدر كاف من الوعي والإنصاف
والوفاق وعدم معرفة تامة بأسباب المشكلة والإلمام بأسبابها، هنا تتعمق هوة
الخلافات والنزاعات؛ مما يضعف الأمل في الحل، أو يوصل إلى الانفصال، وبعدها
يكون الندم ولا يفيد حينها، والشيء الأهم هو أن التدخل هذا لا يكون إلا لمرة
أو اثنتين ثم ماذا؟، فإذا لم يتحقق التفاهم والوصول إلى الحل من الطرفين لا
تتم معها حياة ويؤدي بهما إلى فتور العلاقة بسبب هذه المشاكل التي لا نهاية
لها، فلو تنازل الطرفان وغضا الطرف عن الخطأ، ولو اقتنعت المرأة بأن دورها في
الأسرة هو رتق الخلافات، وردم هوتها، لهانت الأمور واختفت النزاعات، فأغلب
مشاكل الزواج يمكن حلها بالفطنة والأخلاق الحسنة للإبقاء على الحياة الأسرية
ودوامها؛ قال الإمام الصادق (ع): (ملعونة ملعونة امرأة تؤذي زوجها وتغمه،
وسعيدة سعيدة امرأة تكرم زوجها ولا تؤذيه وتطيعه في جميع أحواله). |
4: الوضع الاقتصادي |
في العادة الرجل هو المسؤول عن تأمين الأمور المالية للعائلة ونفقاتها، وهذا لا يأتي بسهولة وإنما يكون بتعب ونصب وجهد شاق ليوفر عيشة كريمة لأسرته، وهنا لا بد من الزوجة المدبرة أن تحسن التصرف والإنفاق وأن تبذل ما في وسعها للمحافظة على ماله الذي يستحصله بالتعب والعناء؛ قال تعالى: (وإذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكانوا بين ذلك قواما) ولكن ما نراه في أحيان كثيرة أن بعض الزوجات لا يقنعن بالقليل ويطلبن باستمرار المزيد مما يحمل أزواجهن ما لا طاقة لهم به؛ لأنها رأت فلانة تلبس الملابس الغالية، و.. فما هذا الطمع وعدم القناعة، نحن أحياناً نعنّف الصغار لأنهم كلما رأوا شيئاً تعلقوا به وأرادوه لأنفسهم ونراه شيئاً قبيحاً فكيف إذا كان الأمر يتعلق بمسؤولة عن بيت وأسرة، يجب أن تعرف كيف تتدبر مسؤولياتها بشكل افضل وضمن حدود الإمكانيات ودون إرهاق الزوج بما لا يطيق وتشق عليه بما لا يستطيع مما يؤدي باستمرار الحال على هذا المنوال إلى الضجر وحدوث المشاكل التي تقوض العائلات وبدل أن تكون قائمة على الود تقوم على البغض وكره البيت وعدم الرغبة في العودة إليه وبدل أن يكون سكناً يكون سجناً، ومما يزيد الطين بلة أن بعض الزوجات بدل أن تستقبل زوجها بابتسامة وقول يريحه من عناء العمل تستقبله بالشكوى والتذمر من عدم وجود شيء أو نقص في مادة بسبب قلة الأموال فتبدأ المشاحنات والمنازعات التي تؤدي إلى تدمير العلاقات الأسرية وإيصالها إلى طريق مسدود ناهيك عما تستوجبه من غضب الله؛ فرسول الله (ص) قال: (ألا أيّ امرأة لم ترفق بزوجها وحملته على ما لا يقدر عليه وما لا يطيق، لم تقبل منها حسنة وتلقى الله وهو عليها غضبان) فالتململ والتضجر لا يعطي حلاً وعدم القناعة لا يبرر موقفاً بل يؤدي إلى طريق مسدود ولا تحمد عقباه؛ فالمرأة الحريصة على دوام حياتها مستقرة هادئة مفعمة بالود، تحاول جهد إمكانها التكاتف مع الرجل والصبر معه على مصاعب الحياة لحين تجاوزها، فدوام الحال من المحال، فكم رأينا زوجات كاتفنّ أزواجهن وبدأن معهم من الصفر، وبدعمهن المعنوي والصبر على الفاقة حطّمن المستحيل وعشن مع أزواجهن حياة يحسدن عليها، فالطلبات الصعبة والخلافات عليها وعدم الصبر على ضيق ذات اليد، لا يؤدي إلا إلى نقص الود والضجر من الحياة الأسرية لما فيها من مصاعب، وللأسف قد تصل إلى ما لا يحمد عقباه وحينها لا ينفع الندم، فكل شيء ينكسر يجبر، إلا القلوب فكسرها لا يجبر. |
|