الصفحة الرئيسية العدد 71 اتصلوا بنا

 

الجاليات المهاجرة

 

وظاهرة انحراف القيم

ماجدة محمد

عندما يعايش المرء مجتمعاً ما يكتشف رويداً رويدا حالات وعادات وسلوكيات ذلك المجتمع، وهذا شيء طبيعي يكتشفه كل من انتقل إلى مجتمعات جديدة، ولكن الذي يحزن القلب ويدميه أن البعض مع علمه الكامل بأن عادات ذلك المجتمع وتقاليده تخالف كل ما يحمل من قيم وموازين تطبّع عليها ونمى في ظلها، إلا أننا نراه لا يظهر آية ممانعة في تقبل الجديد والتطبّع عليه، وربما تصل الحالة إلى انتقاد آبائه وأجداده لأنهم ساروا على مناهج غير عصرية ولا تمت إلى روح التطور والتقدم بصلة!!، وإلا كيف نفسّر تحوّل البعض السريع إلى بوق (قولاً وعملاً) لقشور بالية عند أول قدم يضعها على أرض الغرب، أو بعد مرور فترة قصيرة على تواجده في ذلك البلد الأجنبي؟! وكيف نفسّر انحراف هذا العدد الكبير من الجاليات وضياع الغالبية من الشباب والشابات في متاهات الرذيلة ومستنقعات الفساد.
ربما لا يرى من ينظر من بعيد أو الذي عصب عينيه تردي أوضاع بعض الجاليات الإسلامية وذوبانها في مجتمعات بعيدة كل البعد عن كل القيم والأعراف التي يعيشها المسلمون في الشرق، ولكن الذي يدخل في أوساط هذه الجاليات ويعايشهم عن قرب يشاهد الكثير الكثير، وربما يقف على أمور لا تصدق.
البعض الملتزم ومن منطق الإحساس بالوظيفة الشرعية والمسؤولية الوطنية، يحث وعالج المشاكل وما زال يمارس دوره بكل أمانة وإخلاص فينصح هذا ويهدي أولئك، ويتكلم مع هذه المجموعة، ويرشد تلك الثلة، في سبيل إبقاء المغتربين والمهاجرين في أجواء إيمانية تستطيع أن تحافظ على نفسها وتقدم الخير للإسلام العزيز من خلال هداية المسلمين وغير المسلمين إلى طريق الحق، ومقالنا هذا يصب في هذا الاتجاه لإبقاء الجذوة الإيمانية متقدة في قلوب المهاجرين، فنعرض الأسباب علنا نوفق في تذكير من تغافلوا عنها ويراجعوا أنفسهم ويعودوا إلى دينهم وتقاليدهم التي تطبعوا عليها، وهذه بعض الأسباب:

أولاً: تأخير الزواج

بعد أن كان الزواج سنة إلهية مؤكدة نصت عليها الآية الكريمة: (وانكحوا الأيامى منكم والصالحين أن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله)، والأحاديث النبوية الشريفة والتي منها: (النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني) أصبح اليوم من أصعب القرارات وآخرها إذ يصل الشاب أو الشابة إلى منتصف العمر وهو لم يتخذ قراراً بالزواج بعد، لا أن ينفذه فالقرار أمر والتنفيذ أمر آخر.

وعندما نراجع الأسباب نجد أن الحجج واهية، فالشاب أو الشابة لم يكملا الدراسة الواقعية، أو انهما لازالا صغيرين لا يستطيعا تحمل هذه المسؤولية العظيمة، فالزواج مصاريف وحفلات وبيت وأثاث و.. والدراسة لا تتحمل هذه الأعباء الثقيلة، أو أنهما إلى الآن لم يجدا الشريك المناسب الذي يحمل الصفات الكذائية، فبات هؤلاء المساكين ينتظرون الفرج في يوم ما.
ولإشباع الغريزة لجأوا إلى الفساد والذي يعتبرونه مؤقتاً لغاية الزواج بينما هو غير ذلك وإنه بداية هوة خطيرة تفتك بهم وبالمجتمع، ونتيجة تأخير الزواج طفت على السطح ظواهر مريضة أخذت تسري كالنار في الهشيم ألا وهي ظاهرة العنوسة؛ التي غدت لا تفارق حتى مجتمعاتنا الإسلامية وهي ظاهرة تستحق الدراسة والعناية والمعالجة السريعة. وحتى إن تم الزواج بعد فوات الأوان ستحرم البنت المسكينة من نعمة الأمومة لكبر سنها فتعيش السنوات الأخيرة من عمرها تحمل آهآت الحسرة في قلبها، ولو أن هذا أفضل من لاشيء ولكن من المفروض أن ينعم هؤلاء بالذرية الصالحة ويحفظا نسلهما ويزيدا في عدد المسلمين طبقاً للحديث الشريف: (تناكحوا تناسلوا).

ثانياً: الدعوة إلى الانفتاح والتطور

الأطروحات الفكرية الجديدة التي تدعو إلى التطور والانفتاح، وتكوين علاقات ودية بين الشباب (فتياناً وفتيات) والتي مهد لها البعض وسمح بتشكيلها في أوساط التجمعات الشبابية، إن هذه العلاقات إن نمت وتطورت فسوف تصل إلى مالا تحمد عقباه وتطفئ كل أمل وإحساس بالحاجة إلى زوج أو زوجة ، فما بين يديه ويديها يكفي لإشباع الغريزة وهذا هو المهم!! والأنكى من ذلك أن الذين يخالفون هذه الحالات الشاذة ويقفون أمامها بالمرصاد أخذوا يتلقون التهم واللعنات من الانفتاحيين بحجة انهم رجعيون ويحملون أفكاراً بالية وسلبية أكل الدهر عليها وشرب.

ثالثاً: التلفزيون

والذي أصبح من أخطر وسائل ترويج الفساد؛ إذ يجلس الشاب أو الشابة مع بقية العائلة أو لوحده، ويشاهدوا المسلسلات والدعايات والأفلام التي لا تخلو من قصص الغرام والخلاعة و... فحتى المسلسلات التاريخية أو بعض الإسلامية مملوءة بلقطات منافية للحشمة. فأصبحت عادية يشاهدها الجالسون دون مبالاة أو اعتراض فتمتلئ العيون بهذه المناظر فتسري إلى بقية الجوارح، فيمارس ما شاهده في الحقيقة سواء في البيت أو الشارع أو المدرسة أو..

رابعاً: الموضة الحديثة

 سواء الرجالية أو النسائية فكل يوم موضة وكل يوم لون وهكذا.. فيلبس الشاب كما لبس صديقه، أو الشابة كما لبست صديقتها أو التسريحة الكذائية.. وآخر ما شاهدناه لبس الأقراط المتعددة في الأذن وفي الأنف وخصوصاً الشباب، وهذه الظاهرة طبعاً منتشرة في الغرب أكثر مما في بلداننا لكن ما يدهشنا اكثر أن الشاب المسلم أيضاً يهرب إلى هذه الأشكال، وهذا ما يؤلمنا جدا حيث نشاهد هذه الأجيال وهي سائرة على طبائع الغربيين غير مكترثة بعاداتنا وتقاليدنا الدينية.

خامساً: ترجيح الخروج الدائم من البيت

وعدم الاستقرارية فيه، فاصبح الشاب أو الشابة مغرمان بالسهرات الليلية والجلسات الترفيهية التي تقام بهذه المناسبة أو تلك، خاصة أعياد الميلاد وغيرها، و كذلك الأكل خارج البيت، فيفضل أكل المطاعم و السندويشات الجاهزة على الطبخ الذي يعد في البيت، ففي بادئ الأمر يعبر عن تصرفه بأنه كان جائعاً جداً ومن ثم اشتهى الأكلة الفلانية من المطعم الفلاني، أو دعاني صديقي لتناول وجبة و..  هكذا وإذا بذلك الشاب ينفر من الأكل في البيت نهائياً وهذا أيضاً متداول في المجتمعات الإسلامية وغيرها ففي الغرب مثلاً أصبح الشاب المسلم أو الشابة المسلمة تتناول وجباتها خارج البيت غير آبهة بتجويز ذلك الأكل أو حرمته ونماذج عديدة أخرى ربما نبحث فيها و نشير إليها فيما بعد إنشاء الله.

فبعد ذكر هذه النماذج ألم يكن للأهل دور في توسيع هذه الانحرافات أيضاً؟.

فمسألة التزويج مثلا ألم تعتبر هذه المسؤولية مسؤولية الأهل؟ وهل هناك مسلم أو مسلمة لم يسمع بعد بتعاليم السماء والمناهج التي جاء بها رسول الإنسانية محمد (ص)،  والداعية إلى الإسراع في الزواج و عدم ترك الشباب عرضة لموجات الانحراف والانحلال؟ يقول رسول الإنسانية (ص): (ما بنى في الإسلام بناء أحب إلى الله عزوجل و أعز من التزويج).

و حديث آخر: من سعادة المرء أن لا تحيض ابنته في بيته.

و يقول الإمام الصادق (ع): (من حق الولد على أبيه أن يحسن اسمه وأن يحسن تعليمه وأن يزوجه إذا بلغ).

والرسول (ص)  أيضا يقول: (إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف الدين، فليتق الله في النصف الآخر).

وكذلك في بقية النماذج فحتى عندما يتم النقاش معهم يردون بان الإمام علي(ع) قال إنهم خلقوا لزمان غير زماننا. ويجب أن يعيشوا كما يشاءون، فهل هذه النظرية صحيحة و هل حديث الإمام (ع) يعني بهذه الصورة؟ فلماذا نأخذ ظواهر الأحاديث ونعمل بها كيفما نشاء دون أن نمعن في المفهوم الواقعي للأحاديث ولماذا نتطبع بأخلاقياتهم وسلوكياتهم وعاداتهم، وننسى عادات وتقاليد ديننا الحنيف الذي هو أفضل الأديان؟، و لماذا نتهاون أمام أبناءنا في طلباتهم التي تتعدى الحدود مما يفتح لهم هذا التهاون أبواب الانحراف؟ فلابد من الدقة التامة والتمسك القويم باعتقاداتنا وتعاليمنا الدينية حتى نحافظ على أنفسنا وأولادنا ومجتمعنا الإسلامي الكبير إنشاء الله.. وصدق من قال: المرأة بلا زواج كالحديقة بلا سياج.