ذات صباح، ايقظني صوت العصافير الذي اخترق نافذة غرفتي دون استئذان، وتسلل من بين ثقوبها الصغيرة عطرٌ أخّاذ لأزهار الجوري ارغمني على الاستيقاظ..
كان هناك نشاطٌ عارم للأحياء في الخارج، بدد نحول النعاس الذي استوطن جسدي بعد رحلة نوم عميق، ابعدت عني الغطاء وجلست فبان لي من الصخب الذي في الخارج، لقد حان ميعاد انقضاء سبات الحيوانات..
بل كل شيء بدا وكأنه استيقظ من سباته، اتكأت على عصاي الحبيبة؛ رفيقة دربي التي تتحمل عني وطأ الاصطدام..
بدأت اخطو الى الحديقة وماكان يفصلني عنها سوى بضع خطوات حتى استقبلني نسيم منعش داعب وجنتاي برفق المشتاق، سحبتني فوضى الخارج اليها، استمعت لصوت هدير الماء من الشلالات الصغيرة في حديقتنا، تخلل صوتها صوت الطيور المختلفة التي تحلق فوق رأسي، استمعت حينها لصوت تراقص اوراق الشجر التي يلاعبها هواء طلق، وانبعث من جانب قدمي صوت القطط مع صغارها.
جلست على كرسيي الخشبي المتأرجح لأسترخي انتعاشا مع هذا الصباح، اغمضت عيني واستمعت لصوت من الخارج كان صوت الحافلة المدرسية التي تقل الطلاب الى مدارسهم.. وحولها هم يتمازحون ويتسابقون لكي يغضبوا السائق، تحركت الحافلة ورحلت ...!
فاتبعها صوت جاري احمد وهو يلقي سلامه على جاري مصطفى صاحب محل المواد الغذائية في حينا.
وعلى صوت ابنة اخي مريم وهي تصفق جذلا بأخيها الذي بدأ اول خطواته لاول مرة على حديقتنا الفسيحة..
مرت دقائق فأقبلت الي امي وهي تحمل كوب الحليب مع الكاكاو الذي سبقتها الي رائحته، حيتني بتحية الصباح فشعرت انها دارت نظرها عني وهي تحدث نفسها: "اظنه الربيع اقبل، لكم هو جميل !
ليت كل ايام العام ربيع"..
علمت حينها ان وراء كل هذا الجمال والابتهاج ربيع.. لكن ورغم كل بهائه فإن فقداني البصر جعلني ارى اقباله اقبال داكن..
فأنا اسمع واسمع واسمع ولكن لا ارى.. بهتان العالم وتوشحه بالسواد يؤلمني..
ان نعمة البصر نعمة عظيمة وهبها الله سبحانه وتعالى الينا ليس لنبصر بها الاشياء فقط بل لندرك العالم، لانها ليست حاسة للبصر بل هي وسيلة ادراك واداة سلوكية تحدد سلوكنا حسب ما تراه وتحدد تفاعلنا تجاهه!
لكنا اليوم نرى كيف ان الناس صارت لاتبالي بالمحافظة عليها وعلى سلامتها وبما سيؤول مصيرها فباتت اغلب العيون عليلة!.
هل يعلم الناس لكم هو مؤلم ان يبدو العالم لك متوشح بالضبابية، باهت وكل الألوان تغدوا داكنة..
هل يعلمون لكم هو مؤلم التوكؤ على عصا وبجابنها قدمان سليمتان فقط لانك تفقد ركيزة التوازن الثالثة وهي العين!.
او لكم ستخفي تلك النظارات الطبية خلفها من ملامح وتضفي اثرا على الوجه من طول ارتداءها..
ان ادمان العادات السلبية سلب منا نعمة البصر شيئا فشيئا دون ان نشعر، فإن التحديق بشاشات الهواتف الصغيرة لساعات طويلة، والجلوس على مقربة من شاشة التلفاز
وحرمان العين من الراحة في النوم لساعات كافية وغيرها، كلها عادات قاتلة للعين! علينا تجنبها ،وحريٌ بنا ان لا ننسى ان لأعيننا حقٌ علينا غدا في المحشر
بأن نحافظ عليها هناك ايضا بعدم النظر الى ما حُرم النظر اليه..
قال رسول الله (ص): "من ملأ عينه من حرام ملأ الله عينه من النار يوم القيامة إلا ان يتوب ويرجع".
وقال ايضا: "من ملأ عينه حراما يحشوها الله يوم القيامة مسامير من نار ثم حشاها نارا الى ان يقوم الناس ثم يؤمر به الى النار".
فرفقا بأعينكم..
اضافةتعليق
التعليقات