رضا... أو رضاوي بحسب ما اعتاد أن ينادوه في السوق وهو يعمل مع والده في بيع الخضار لم يكمل الحادية عشر من عمره حيث يفتقد للتسلية إذ لا يعيش طفولة كأقران جيله فليس لديه وقت للعب مع أبناء الجيران أو حتى التفرج على التلفاز فحينما يعود من عمله المجهد يخلد إلى فراشه باكرا.
لم يكن يملك رضا خياراً آخر غير هذا العمل فبعدما تعرض أبيه لحادث قطعت يديه على أثرها وأصبح من ذوي الاحتياجات الخاصة، كان السبيل الوحيد لمساعدة أسرته هو العمل في السوق ببيع الخضار وحمل صناديقه وحينما سألناه عن المدرسة صمت دون جواب..
التعليم سلاح الفقر
يعد الفقر من المسببات الأولى لدفع الأهالي بزج أطفالهم إلى سوق العمل في سن مبكر دون الاكتراث إلى ما يتعرضون له، وذلك يعود إلى الجهل في تأسيس أركان الأسرة التي يجب أن تكون بمستوى الدخل لرب العائلة وليس فوق قدراته المالية.
كما تكمن المواجهة الأولى للقضاء على آفة الفقر هو التعليم، إذ يعد سلاح للمرأة والرجل وبه ترتقي الأمم وهو بصيرة يستنير بها الفرد لهذا حث الاسلام على طلب العلم فإذا حصل الانسان على التعليم الجيد اكتسب المعرفة والمهارات التي يمكن أن تؤهله إلى التفكير خارج الصندوق والانطلاق في سوق العمل بما يناسب قدراته حتى وإن كان منتمياً لعائلة فقيرة، فمن الممكن أن يوفق الطفل البالغ السن القانوني بين العمل والدراسة فيكون لهذا الفرد دور كبير في مساعدة أسرته وانتشالها من غياهب الفقر.
رواتب زهيدة
تحدثت هناء وهو اسم مستعار قائلة: اضطر ابني بترك مدرسته بعمر الرابعة عشر والعمل كأجير في إحدى محال الجملة عتال (حمال) بعد وفاة أبيه بمرض عضال، كما أن راتب الرعاية الاجتماعية لا يسد مصاريف البيت بين ايجار وأجور مولد الكهرباء وتفاصيل أخرى كثيرة فقد بتنا نشتري كل شيء إلا الهواء.
وتابعت: لقد ضحى ابني بمستقبله من أجل مساعدتي في مصاريف البيت ومساعدة اخواته الثلاث بتوفير ما يلزمهن من احتياجات لإكمال دراستهن.
رجال قبل الأوان
فيما قالت الباحثة الاجتماعية بتول ناصر: غالبا ما ترتبط عمالة الأطفال بالتسول الأمر الذي دفع الجهات المعنية بمحاربة هذه الظاهرة للحد منها لكونها ظاهرة غير حضارية لمدينة كربلاء المقدسة إذ يوجد العديد من هؤلاء الأطفال نجدهم يتجمعون في مواقع معينة للعمل بمسح زجاج السيارات أو بيع السكائر بطريقة ملحة يرافق تصرفهم دعوات وتضرع من أجل تعاطف الزبائن، وهناك صورة أخرى تعكس ما ذكرناها آنفا لأطفال اضطروا للعمل بسبب قسوة الحياة حيث أصبحوا رجالا قبل الاوان لما ترتب عليهم من مسؤوليات كانوا في غنى عنها غير أن المعيشة أرغمتهم على ذلك، أما في الجانب الثالث آباء يجبرون أطفالهم القاصرين على العمل لجشعهم وترتبط الأسباب إما يكون الأب قاسيا وقد تربى على طفولة مماثلة أو زوج لأم الطفل وهنا يتوجب تدخل الجهات المعنية في محاسبة الأبوين ورب العمل.
رؤية اقتصادية
من جانبه حدثنا الخبير الاقتصادي علاء مجيد غازي قائلا: ينص القانون الدولي بحق الأطفال في جميع البلدان على حمايتهم وعدم الاستغلال الاقتصادي في أداء أي عمل يرجح أن يكون ضارا بصحة الطفل أو بنموه البدني أو العقلي أو الروحي أو المعنوي أو الاجتماعي.
كما تنص قوانين وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في العراق على معاقبة المتسبب في تشغيل الأطفال بعقوبة تتراوح بين الغرامة المالية وإيقاف التصريح لرب العمل أو حتى إيقاف النشاط.
مع منع تشغيل الأطفال دون سن 15 عاما، والسماح بتشغيل من هم بين 15 و18 وفق شروط ورقابة وفي مهن محددة.
وأضاف: وعلى الرغم من القوانين التي وضعت إلا أننا ما زلنا نرى آلافاً من الأطفال منتشرين في الأسواق والأحياء الصناعية وعلى مكبات النفايات، يعملون في أقسى الظروف التي لا تراعي أي قانون، وهي تسعى إلى توفير مال بخس لتعيل أسرهم من الفقر والجوع.
ومن إحدى أسباب تفاقُم هذه الظاهرة هي تزايد حالات الطلاق، وما تتركه من آثار سلبية على وحدة وتماسك الأُسَر، وتبعات ذلك على المجتمع بشكل عام، والطفل بشكل خاص.
وليس من السهل الحد من ظاهرة عمالة الاطفال فالأمر يتعلق بتثقيف الأبوين في تأهيل الطفل إلى أن يصبح قادراً على العمل للاعتماد على نفسه ومساعدة أسرته.
وتابع : كما سعت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بتأسيس دائرة العمل والتدريب المهني في مدينة كربلاء المقدسة والتي تستقطب الشباب لكلا الجنسين من عمر 15 سنة لتسجيلهم ضمن قاعدة بيانات وزارة العمل والشؤون الاجتماعية والتحاقهم من خلال الدائرة بورش مختلفة تتضمن اختصاصات متنوعة يكون دورها تدريب العاطلين عن العمل لرفع مستوى مهاراتهم الحرفية في كافة المجالات المهنية، حيث تكلل هذا المشروع الريادي بنجاح باهر فمن خلاله استقطب العديد من النساء والرجال والأطفال ضمن السن القانوني في امتهان عمل مناسب، فكان بالنسبة إليهم فسحة من الأمل للمضي قدما في معتركات الحياة.
اضافةتعليق
التعليقات