قال تعالى: {الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَ اللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ} (البقرة: ٢٦٨).
الإضاءة التي يمكن أن نستلهمها من هذه الآية الكريمة أنها وضعت[الفقر] في قبال[المَغفرة] -وكأن- المراد أن الغنى الحقيقي هو بلوغ المغفرة الإلهية، وبالتالي من لا يُغفر له لا يوجد أفقر منه، ومن يُغفر له لا يوجد أغنى منه.
فالشيطان غايته الحقيقية أن يوصل الإنسان للخسران الذي وصل إليه، وتجلي الخسران هو الفقر، وتحقق الضعف بالنفس حتى تصل لمرحلة الامتثال لأمر الشيطان لا الرحمن! أما الله تعالى فهو الغني المطلق الذي يريد إيصال الإنسان للفلاح، والغنى وتحقق القوة للنفس الإنسانية.
هل لهذه الآية تطبيق عملي؟
يمكن أن نفهم أن تطبيق هذا المعنى في هذه الحياة هو أن المغفرة مفتاحها الاستغفار، فإن كان العبد مستغفرًا وغفر له تحقق له الغنى المادي والمعنوي، كما تشير إلى ذلك آيات عديدة كقوله تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً* يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً* وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً}(نوح: ١٠-١٢).
ومن الملفت للانتباه هو ما أتى بعد ذكر ثمار الاستغفار هو قوله تعالى: {ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً} (نوح:١٣)، وكأن الذي لا يصدق وعد الله تعالى الغفار هذا، ويصدق وعد الشيطان هو مشمول بهذا العتاب الالهي، هو ممن لا يوقروا الله تعالى ولا يقدروا الله تعالى حق قدره.
ومن الآيات الأخرى التي تذكر أثر الاستغفار هو قوله تعالى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ}(هود:٣).
وفي قوله تعالى: {وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَ يَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَ لا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ}(هود:٥٢)، والآيتان أشارت في ختامها بعبارة {وَإِنْ تَوَلَّوْا}، {وَلا تَتَوَلَّوْا} إلى التحذير من الادبار وعدم الانتفاع من هذا الباب الإلهي المفتوح، فمن يسلك غير طريق الغفار سيسير بطريق الشيطان.
لماذا اختار الشيطان هذا الوعد دون غيره؟
كما هو معلوم إن العبد من خلال الإستغفار يُظهر فقره وضعفه وعجزه واستكانته لله تعالى، وهذا ما عجز عن فعله هو حيث استكبر وأبى، وهكذا الإنسان عندما يعيش الفقر وخاصة المادي منه -غالبًا إن كان ممن صدق وعد الشيطان- سيعيش حالة من الإدبار والاعتراض والتشكي فيحيط نفسه بالبؤس، ويصدق أنه مقدر له الافتقار فلا يكون من الساعين ولا من المتوكلين، فيقل توجهه وعبادته وذكره لله تعالى وحسن ظنه بالرزاق المغني، فوعد الشيطان بالأصل هو ليجعل الإنسان مثله بعيدًا مطرودًا.
فإن التفت الإنسان وتنبه بهذه الآية التي تبين له هذه الخطوة الخطيرة من خطوات الشيطان وتخطاها نجا من السير بخطواته، وسار بطريق العبودية المعبد بالغنى لا الفقر، وبالأمن لا الخوف، وبالنجاة لا الهلكة، لذا علينا أن ننظر إلى أي الوعدين نحن مُصغين؟ ولأي منهما مُصدقين؟ ولأي منهما عاملين؟.
اضافةتعليق
التعليقات