كانت الأرض تعاني من الجفاف والقسوة، تستغيث وتنحب لقطرة ماء تروي عطشها وتدفق في عروقها روحاً وريحانا، كانت تحلم بقطرة ماء تنقذها، هكذا أحلام الصحاري والقفار، قطرة ماء تكون أملاً..
هكذا عوض الله عندما يأتي يُذهل ويغير كل شيء وكأن الألم لم يزر الأرض يوماً، عندما أتى كان كالأنبياء السابقين مجيئه مقرونا بالآيات والمعجزات حتى يدرك الناس عظمته ويعرفون خاتم الأنبياء قد ولد وهو الذي يغير أفكار المجتمع ويمسح على قلوبهم ويملأهم حباً وطمأنينة، هو الذي يغير صحراء وجودهم ويروي نفوسهم العطشة ليصبحوا خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر..
كل شيء بدأ يحكي عنه والأشخاص كانوا ينتظرون قدومه فقد ورد بأنه كان بمكّة يهودي يقال له يوسف، فلمّا رأى النجوم تُقذف وتتحرّك ليلة ولد النبي (صلى الله عليه وآله) قال: هذا نبي قد ولد في هذه الليلة؛ لأنّا نجد في كتبنا إنّه إذا ولد آخر الأنبياء رُجمت الشياطين وحُجبوا عن السماء. فلمّا أصبح جاء إلى نادي قريش فقال: هل وُلد فيكم الليلة مولود؟ قالوا: قد ولد لعبد الله بن عبد المطّلب ابن في هذه الليلة، قال: فاعرضوه عليَّ. فمشوا إلى باب آمنة، فقالوا لها: أخرجي ابنك، فأخرجته في قماطه، فنظر في عينه وكشف عن كتفيه، فرأى شامة سوداء وعليها شعيرات، فلمّا نظر إليه اليهودي وقع إلى الأرض مغشياً عليه، فتعجّبت منه قريش وضحكوا منه. فقال: أتضحكون يا معشر قريش؟ هذا نبي السيف، ليبرينكم، وذهبت النبوّة عن بني إسرائيل إلى آخر الأبد. وتفرّق الناس يتحدّثون بخبر اليهودي*١.
وروى الشيخ الصدوق بسنده عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: كان أبليس لعنه الله يخترق السماوات السبع فلما ولد عيسى عليه السلام حجب عن ثلاث سماوات وكان يخترق أربع سموات فلما ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حجب عن السبع كلها ورميت الشياطين بالنجوم وقالت قريش هذا قيام الساعة التي كنا نسمع أهل الكتب يذكرونه. وقال عمرو بن أمية وكان من أزجر أهل الجاهلية انظروا هذه النجوم التي يهتدى بها ويعرف بها زمان الشتاء والصيف فإن كان رمي بها فهو هلاك كل شيء وإن كانت تثبتت ورمي بغيرها فهو أمر حدث وأصبحت الأصنام كلها صبيحة ولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليس منها صنم إلا وهو منكب على وجهه وارتجس في تلك الليلة ايوان كسرى وسقطت منه أربعة عشر شرفة وغاضت بحيرة ساوة وفاض وادي السماوة وخمدت نيران فارس ولم تخمد قبل ذلك بألف عام ورأى المرزبان في تلك الليلة في المنام إبلاً صعاباً تقود خيلاً عراباً قد قطعت دجلة وانسربت في بلادهم وانفصم طاق الملك كسرى في وسطه وانخرقت عليه دجلة وانتشر في تلك الليلة نور من قبل الحجاز ثم استطال حتى بلغ المشرق ولم يبق سرير لملك من ملوك الدنيا إلا أصبح منكوساً والملك مخرساً لا يتكلم يومه ذلك وانتزع علم الكهنة وبطل سحر السحرة ولم تبق كاهنة في العرب إلا حجبت عن صاحبها وعظمت قريش في العرب وسموا آل الله، قال أبو عبد الله عليه السلام إنما سموا آل الله لأنهم في بيت الله الحرام وقالت آمنة ان ابني والله سقط فاتقى الأرض بيده ثم رفع رأسه إلى السماء فنظر إليها ثم خرج مني نور أضاء له كل شيء وسمعت في الضوء قائلاً يقول انك قد ولدت سيد الناس فسميه محمداً واتى به عبد المطلب لينظر إليه وقد بلغه ما قالت أمه فاخذه ووضعه في حجره ثم قال:
هذا الغلام الطيب الاردان الحمد لله الذي اعطاني قد ساد في المهد على الغلمان ثم عوذه بأركان الكعبة وقال فيه أشعاراً، وصاح إبليس لعنه الله في أبالسته فاجتمعوا إليه فقالوا ما الذي افزعك يا سيدنا فقال لهم ويلكم لقد انكرت السماء والأرض منذ الليلة لقد حدث في الأرض حدث عظيم ما حدث مثله منذ رفع عيسى بن مريم (عليهما السلام) فاخرجوا وانظروا ما هذا الحدث فافترقوا ثم اجتمعوا إليه فقالوا ما وجدنا شيئاً فقال إبليس لعنه الله أنا لهذا الأمر ثم انغمس في الدنيا فجالها حتى انتهى إلى الحرم فوجد الحرم محفوفاً بالملائكة فذهب ليدخل فصاحوا به فرجع ثم صار مثل الصر وهو العصفور فدخل من قبل حرا فقال له جبرئيل عليه السلام وراك لعنك الله، فقال له حرف أسألك عنه يا جبرئيل ما هذا الحدث الذي حدث منذ الليلة في الأرض؟ فقال له ولد محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقال هل لي فيه نصيب؟ قال لا، قال: ففي أمته؟ قال: نعم. قال: رضيت.*٢
ولد رحمة للعالمين وانقذ الناس من الشرك والنفاق وفي زمن قصير غير تلك البقعة المملوءة بالآلام والمآسي إلى أرض الآمال والرقي.
غير مسار البشرية وعلمهم طريق الهداية ليخلصهم من قيود الشياطين وليصلوا إلى أعلى المستويات من الناحية الدنيوية والأخروية ولنا في رسول الله أسوة حسنة ففي كل لحظة من لحظات حياته دروس وعبر تعلمنا كيف نعيش، نتعامل، نحيا و نساند الآخرين ونرسم البسمة على أفواههم.
النفس البشرية تميل إلى الرحمة وأرواحنا تحط حيث الرقة والعطاء ولهذا كان المؤمنين يفدون أنفسهم لرسول الله كي يستسقوا من رحمته (وما ارسلناك الا رحمة للعالمين)، وبالمقابل ماذا قدمنا لهذه الرحمة، ماذا قدمنا لنبي الرحمة، ماذا سوف نجيبه عندما يُنادون: يا أمة محمد صلى الله عليه وآله؟
نستطيع أن نثلج قلبه الرحيم بأن ننصر ولده المهدي وكل منا قادر على أن ينصره من موقعه وطريقه… طريق النصرة واضح لنبدأ مسيرتنا نحو قلبه الرحيم.
اضافةتعليق
التعليقات