شعور غريب يجتاح عمق الأجواء في هذه الأوقات, كل شيء بات في سبات حتى أيقنا السلام ثم بدأ النهار يشهر سيوفه والأصوات ترتفع وصعد الساحرون اللصوص واحدا تلو الاخر المنصات وبدأوا برواية معجزاتهم وقدراتهم السحرية فتمثلت بعضها بشكل غريب وبعضها كانت اضحوكة للناس والاخير فيهم كان هو ذاته الاضحوكة وكأنهم لايرون انفسهم حين يتكلمون بكل هذه الثقة المسمومة، ولكن الغريب انهم كانوا يدعون انهم من الشعب وإليه وهم ابنائه ولكن خلف كل لص فيهم اثنين مجهزين او اكثر لحمايتهم لا اعلم لماذا، لكن هم ذاتهم لايصدقون احاديثهم كيف نصدق نحن.
اما على بعد اميال من تلك الضجة كانت تجلس عجوز منحنية الظهر يتسلل من حجابها بعض الشعر الابيض وهي مبتسمة ترقب الناس وهم في ما بينهم واحد يهمس للاخر البعض يهتف انه الشخص الاصح واخرون ينعتوه بالفاشل وتطول الاحاديث فكل يوم لص اخر يعرض نفسه ولكن ذاتها هي خلافات الناس فلا اجتماع على رأي محدد, اقتربت منها واستأذنتها بالجلوس فردت (هي ارض الله ونحن عباده فلا حق لي بمنعك اجلسي يا ابنتي وانظري الى هذه المسرحية علك تفهمين ما لاافهمه) اجبتها مستغربة:
ما الذي لاتفهمينه ياجدة, اجابت: كل شيء عزيزتي انظري ثقة فاسدة تعتلي المنصة وعيون وقحة تقبل الرشوة وفي النهاية نحن القطيع الذين سنذبح بلا ذنب وهم تناسوا ان كل شيء فان ربما سنحظى باللقاء لمنقذ هذه الامة وربما لا ولكننا نأمل اللقاء فلقد مللنا الخوف من نهار غد ومللنا العيش هكذا، ثم حنت رأسها وقبلت دمعة وجنتيها ونطقت (اللهم عجل لوليك الفرج).
كزائر مفاجئ طرقت كلماتها ابواب عقلي متسائلة متى الفرج، هل نجلس هكذا تاركين كل شيء امام اعيننا ينهدم ونحن نشاهد ونقول في النهاية هناك منقذ سيظهر والحقيقة هي كذلك فهو البرهنة على الارتباط العضوي الوثيق بين العدل الموعود والاساس العام الذي يقوم عليه الكون العام والاهداف التي خلق من اجلها تلك الاهداف التي سار عليها التكوين والتشريع واضطلع بالسير على طبقة موكب الانبياء والشهداء والاولياء على مدى التاريخ، فيوم الظهور هو ليس تاريخا طارئا او قدرا مرتجلا وانما هو واقع النتيجة الطبيعية الكبرى التي ارادها الخالق الحكيم في تطبيقه والتي شارك في اعدادها الانبياء وبلغت من اجلها الشرائع وبذلت في سبيلها التضحيات على مدى التاريخ.
ولكن يبقى السؤال هو مانوع الانتظار الذي نحن فيه? وهل نحن على الطريق الصحيح فنجد انفسنا لوهلة ان البعض في تيار سلبي للإنتظار وهناك مفهوم انتظار لانفقهه, هو كيف لنا ان نكون ممن ينظر للانتظار بمفهوم صحيح فنجد ظهور تيارات كثيرة متشابهة رغم اختلافها..
تيار فاشل في حياته يبحث عما يعلق عليه سبب فشله يدعي انه ينتظر الامام (عج) الذي سيغير كل شيء ولذلك لا يشاء ان يغير او ينجز لأنه لافائدة بكل ذلك.
اما التيار الاخر فهو تيار مهزوم نفسيا وحضاريا مبهور بحضارات العالم العملاقة فيلجأ للسلبية لتبرير الهزيمة باتجاه السكون والاتكال.
اما الاخير فهو تيار غير قادر على استيعاب متغيرات الحياة ولاخبرة له في تحليل الامور فيلجأ مباشرة الى التفسير الغيبي المرتبط بالظهور للتهرب من استحقاقات المتغيرات, وفي زحمة تلاطم الافكار والتيارات تكمن حقيقة الاجابة عن هذا التساءل في مدرسة اهل البيت التي لم تترك معالم الا ورسمتها وان كانت صغيرة او كبيرة وليس للمسلمين فقط بل لكل البشرية من خلال ما وصلنا من رسولنا الاعظم والائمة الاطهار وكل حسب ظروفه وما يتطلبه الواقع بعيدا عن التنظير واعتمدت كلها على منهجية سليمة وواضحة رسمها الرسول (ص) حين قال: [ان كان بيد احدكم فسيلة فاستطاع ان يغرسها قبل ان تقوم الساعة فليغرسها] وهذا يعني ان جوهر الانتظار هو بذل اقصى الجهد من اجل التغيير والاستعداد الافضل لساعة الظهور فالانتظار هو ليس اتكالا بل توكلا فمواقف اهل البيت عليهم السلام هي التي عبرت عن فلسفة الانتظار الحقيقي فلم يحدثنا التاريخ ابدا عن ان احد من اهل البيت برر لظالم او مستبد او سكت عن حق او جلس في بيته معتزلا عن الناس في حجة انه ينتظر اخر الزمان لذلك جسد اهل البيت عليهم السلام جوهر الحديث (جهاد امتي انتظار الفرج).
وفي ذكرى مولد الامل وتجدد مفهوم الانتظار، على كل واحد منا ان يعيد النظر في حياته كفرد وكمجتمع لنعرف اذا ماكنا قد اقتربنا او ابتعدنا عن مفهوم الانتظار الحق وما اذا كنا بالفعل ممن ينتظر الامام بمنهج اهل البيت عليهم السلام ام بمناهج شتى اخذت تميل بنا الى كل جانب. واخيرا فان علينا ان نتذكر بان وجود الامام المهدي (عج) في حياتنا هو بمثابة الرقيب, ولذلك يلزمنا ان لانلفظ بقول قبل ان نتحقق منه, ولانقدم على عمل الا بعد ان نتأكد من انه يخدم الصالح العام ولايضر احد وان نعمل ولانقف مكتوفي الايدي منتظرين بالاسم فقط بل علينا ان نكون من المنتظرين الصادقين الذين يسعون بتحقيق القضية المهدوية وتمثيلها تمثيلا صحيحا فالانتظار عمل ومنهجية وليس مفهوم نظري.
ويطول بالمؤمنين الإنتظار فما هذا اليوم بمحدود ولا معلوم إلا في علم الله عز وجل ومن ثم يتمتعون خاشعين بقلوب يعمرها الإيمان بالله والثقة بوعده. اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة تعز بها الإسلام وأهله وتذل بها النفاق وأهله وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك والقادة إلى سبيلك، وترزقنا فيها كرامة الدنيا والآخرة.
قال تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ).
اضافةتعليق
التعليقات