• الرئيسية
  • كل المواضيع
  • الاتصال بنا
facebook twitter youtube telegram
bushra
☰
  • اسلاميات
  • حقوق
  • علاقات زوجية
  • تطوير
  • اعلام
  • صحة وعلوم
  • ثقافة
  • تربية
  • منوعات
  • خواطر
  • الصور

صالة الانتظار

زهراء وحيدي / الأربعاء 08 آذار 2023 / تطوير / 330
شارك الموضوع :

كنت قد سمعت عن الغربة ولكني لم أعرف طعمها إلاّ في هذه اللحظة المريرة

القصة الفائزة بالمرتبة الثانية في مسابقة القصة القصيرة المقامة على هامش مهرجان أفق الانتظار وبناء الأمل ٤

مرت أكثر من نصف ساعة منذ لحظة تحليقنا في السماء إلى الآن، تنفست الصعداء بعد أن نادت مضيفة الطائرة بإمكانية نزع أربطة الأمان، فقد كان الحزام ضيقا عليّ، ربما لأني سمنت قليلا بسبب اهمالي لصحتي وافراطي في تناول الوجبات السريعة فقد بات زيادة الوزن ملحوظا على جسمي وخصوصا في منطقة البطن، لكني أقنعت نفسي بالمثل المصري المشهور: "الي معندو كرش مابيساولو قرش"، ولا أنكر فرحتي عندما حان موعد الطعام وقام مضيفو الطائرة بتوزيع الوجبات على المسافرين.

إنها المرة الأولى التي أسافر فيها الى دولة أوربية، وما شجعني على ذلك هو إصرار أخوتي والدعوة التي بعثها لي أخي الكبير محمود المغترب في بريطانيا منذ أكثر من عشرين سنة.

لا أتخيل اللحظة التي سألتقي بهم مجددا فآخر لقاء جمعني بهم كان في بغداد قبل سبع سنوات تقريبا، فبسبب كورونا وظروف البلد لم يتمكنوا من زيارة العراق مجددا..

لكننا بالطبع بقينا على تواصل مستمر، وفي كل مرة تتصل فيها أختي هيفاء وتتحدث معي تغرق عيناها بالدموع وتتوسل بي لكي أسافر عندهم وأستقر هناك، لكني وبصراحة لا أستطيع ترك بغداد، ربما تجدون كلامي فيه نوع من المبالغة ولكني بالفعل مثل السمكة التي إذا خرجت من الماء تموت، أنا أيضا إذا تركت العراق أموت.

ولكن هذه المرة لم أستطع مقاومة دموع أختي هيفاء وأخي الصغير مجيد عندما بلغاني بأن محمود يعمل على طلب تأشيرة فيزا من السفارة البريطانية، فقد أكلهم الشوق والحنين لرؤيتي، ولأني أمتلك قلبا حنونا قبلت الدعوة ونويت السفر إلى مدينة الضباب لندن والبقاء مع إخوتي لفترة قصيرة.

أخرجت هاتفي وراجعت الرسائل التي وصلتني منهم قبل يوم من موعد سفري وبدأت برسائل هيفاء: "محمد الساعة تمر عليّ بسنه، شوكت توصل واشوفك، راح اسويلك المقلوبة الي تحبها، توصل بالسلامة حبيبي اخويه"

انزرعت بسمة كبيرة على شفتي، كم يفرحني بأن هيفاء ما زالت تتذكر أكلتي المفضلة.

انتقلتُ إلى رسائل مجيد: "حمودي بعد ما اصبر شوكت اشوفك كومه مشتاقلك والله، يمكن راح اطلعلك للمطار من هسه لأن كلبي بعد ميتحمل فراكك"

امتلأت عيني بالدموع كم أنا محظوظ بأخوتي، ربما كنت أنانيا عندما اخترت البقاء بعيدا عنهم في بغداد، إنهم يحسبون الدقائق لرؤيتي..

وأما محمود فقد ترك لي أكثر من عشر مكالمات ورسالة مضمونها: ننتظرك جدا.

اقتربنا من الوصول، كنت أتخيل اللحظة التي ستطأ قدمي أرض لندن وأجد أخوتي ينتظرونني حاملين معهم الزهور والحلوى، تجسد الموقف في عقلي، برزت مشاعري على شكل دموع وتزحلقت على خدي.

نادت المضيفة بأن الطائرة ستهبط بعد قليل لذا يرجى ربط أحزمة الأمان، هذه المرة ربطت الحزام بشوق ولم أعر أي اهتمام لبطني الكبير، فقد كنت أعد اللحظات التي تفصلني عن احتضان محمود ومجيد وهيفاء.

هبطت الطائرة وانتقلنا إلى صالة استلام الحقائب، انتظرت حقيبتي وعندما شاهدتها قادمة، هرعت إليها مسرعا وسحبتها من الدرج المتحرك، ولكن هرع إليّ رجل أشقر ذو عضلات ضخمة، من الواضح أنه كان بريطانيا أصيلا، حاول سحب الحقيبة مني، أمسكت الحقيبة بقوة وقلت له بأني مستعجل جدا فإخوتي ينتظرونني، ماذا تريد من الحقيبة؟!

لكنه لم يفهم ما قلته ولأني لا أجيد اللغة الإنجليزية أصبحت أشير له بيدي ولكنه كان مصرا على أخذها مني وعندما شاهدته يحاول المغادرة حاملا حقيبتي دفعته بقوة.

اجتمع الناس حولنا، أحد المسافرين العراقيين الذي كان يجيد اللغة الإنجليزية حاول أن يهدئ الوضع بيننا، قلت له أنه يريد أخذ الحقيبة مني عنوة!

فحاول أن يترجم كلام ذلك الأجنبي فقال أن هذه الحقيبة هي حقيبته هو، قلت له بصرامة مستحيل أنها حقيبتي وحصل شجار طفيف بيني وبين الرجل البريطاني ثم حاول العراقي اصلاح الوضع واقترح أن نتأكد من أرقام الحقيبة أو نفتحها للتأكد من صاحب الحقيبة، ولأني كنت أريد أن أخرج نفسي من هذا الموقف بأسرع طريقة ممكنة فتحت الحقيبة مباشرة وإذا بها تحوي أغراضا ليست لي، وفجأة تقدم أمن المطار حاملا الحقيبة التي تشبه الحقيبة التي كانت بيدي، وتبين بأن الرجل البريطاني كان محقا، إنها بالفعل حقيبته هو، وإن الشبه بين حقيبتينا هو الذي سبب كل هذه الفوضى!

تلون وجهي من الخجل، حاولت أن أعتذر إلى الرجل البريطاني، ولكن لسوء لغتي الانجليزية اكتفيت بقول (سوري... سوري)

أخذت الحقيبة ومشيت بخطوات سريعة إلى صالة الانتظار واجهني طابور طويل لختم الجوازات، لا أنكر بأني تذمرت كثيرا من الوقوف في الطابور فمن المؤكد أن إخوتي ينتظرونني منذ وقت طويل خصوصا أن الطائرة تعرضت إلى تأخير بسبب سوء الحالة الجوية.

فما إن ختم الضابط على الجواز أخذت نفسا عميقا وهرولت إلى صالة الانتظار، فوجئت بعدد الناس الذين ينتظرون مسافريهم خلف الزجاج العازل.

الجميع يحمل الورود والشوكولا، بدأت بتفحص الوجوه وكلي شوق، والابتسامة مطبوعة على وجهي وأنا أردد مع نفسي محمود، محمود، محمود، أين هو محمود؟

حسنا من الواضح أني لم أتعرف إلى إخوتي عدت مرة أخرى وبدأت بتفحص الوجوه واحدا بعد الآخر، هيفاء، هيفاء، هيفاء، أين هي أختي هيفاء؟

لم أجد لها أثرا، من خلف الزجاج لمحت مساحة بعيدة فيها كراسي توقعت بأنهم تعبوا من الانتظار وذهبوا للجلوس هناك، بالتأكيد فقد تأخرت كثيرا بسبب حادثة الحقيبة وختم الجواز، توجهت إلى هنالك، وأصبحت أنظر في الوجوه وأتفحصها جيدا، مجيد، مجيد، مجيد، أين هو مجيد؟

لا أحد يا سادة، لم أجد إخوتي، جلست على كرسي قريب حاولت أن أهدأ قليلا وآخذ نفسا عميقا، مرت دقائق كثيرة ولم يظهر أحدا من إخوتي، بدأ المسافرون بمغادرة الصالة، كل يعانق عائلته ويحمل بيده باقة من الزهور إلاّ أنا.

كنت أتخيل نفسي كيف سأصافح أخي الصغير مجيد، وكيف سأقبل يد أختي الكبيرة هيفاء، وكيف سأرمي نفسي بين أحضان أخي محمود الذي لطالما رأيته بصورة أبي.

ولكن لم يحصل أيا من ذلك، فحتى بعد مرور ساعة ونصف من وصولي لمطار لندن، لم أجد أحدا ينتظرني هناك.

حاولت البحث عن شبكة تربطني بالإنترنت لأعرف ما الذي يحصل بالتحديد، لماذا لم يحضر أخوتي إلى المطار؟، بالتأكيد هنالك ظرفا قاهرا قد حصل معهم، باتت الأفكار تنخر في رأسي وحاولت بالإشارة أن أطلب من عمال المطار أن يوصلوني بشبكة الانترنت ولكن لا أحد فهم ما أقوله.

وبعد معاناة كبيرة شاهدت الرجل العراقي الذي ساعدني في صالة الحقائب ركضت إليه وشرحت له وضعي ووصلني بشبكة الانترنت من خلال هاتفه لبضع دقائق فقط، فقد كان مستعجلا لأنه يعمل مترجما مع أحد الوفود القادمة إلى لندن ويجب أن يغادر معهم إلى الفندق فورا.

ما إن ربط جهازي بالإنترنت حتى دخلت إلى صندوق الرسائل فوجدت آخر رسالة كانت من أختي هيفاء وهي تتكلم عن المقلوبة، حاولت أن أغلق الواتساب وأفتحه مرة أخرى لربما أجد رسالة جديدة من أخوتي، ولكن دون جدوى لا رسائل من أحد..

اتصلت بمحمود، الجهاز مغلق، اتصلت بهيفاء لا ترد، اتصلت بمجيد هاتفه مشغول، استعجلني الرجل العراقي بعدما أشار له شخصا وطلب منه المغادرة، حاولت الاتصال بهم مجددا ولكن دون جدوى لم أجد ردا من أحد.

اعتذر مني الرجل العراقي وغادر مع الوفد، وبقيت في مكاني مذهولا مما يحصل معي في هذا المكان الغريب..

مرت ثلاث ساعات وأنا واقف على قدمي أنظر يمينا ويسارا علني ألمح وجها أعرفه، كنت قد سمعت عن الغربة ولكني لم أعرف طعمها إلاّ في هذه اللحظة المريرة، لا أظن أن هنالك وضعا أتعس من وضع شاب عراقي في دولة غريبة لا يعرف لغة البلاد ولا يعرف أحدا بل ولا يمتلك عنوانا يذهب إليه حتى!

لمحت الشمس تغرب من زجاج الصالة، لم أجرب حتى أن أتحدث مع العامل وأساله عن مكان أصلي فيه، هذا وإن كان هنالك مصلى في مطار لندن!

توجهت إلى الحمامات توضأت وعدت إلى صالة الانتظار أخرجت سجادة الصلاة من الحقيبة وحمدت الله على أن الحقيبة لم تتبدل مع ذلك الرجل فلو كنت قد أخذت حقيبته من أين كنت سأحصل على سجادة صلاة وتربة؟

فرشت السجادة وعن طريق تطبيق الهاتف عرفت القبلة وصليت المغرب والعشاء، في السجدة الأخيرة بينما كنت متعودا على قراءة دعاء الفرج لم أستطع تمالك نفسي وأجهشت بالبكاء، تذكرت شخصا يمر يوميا بما أمر به الآن، الجميع يدّعي بأنه ينتظره بلهفة وحنين، فيتوقع هو بأنه عندما يحين موعد قدومه سيجد الكثير من الناس في إنتظاره، ولكن الحقيقة هو أنه يعيش ما أعيشه الآن يوميا، ففي كل مرة يحضر فيه، يجد صالة الانتظار فارغة!

في البداية صعبت عليّ نفسي بسبب الموقف الذي وضعني فيه أقرب الناس إليّ، ثم صعبت عليّ نفسي أكثر عندما عرفت بأني وضعت إمام زماني في نفس الموقف!

لم أستطع التواصل مع الناس في المطار لأني لم أتعلم لغتهم، ولكن ما هو عذري في اهمالي وعدم تواصلي مع صاحب الزمان؟

يا للعار كنت أدعي بأني أنتظره ومتشوق لرؤيته ولكن في الحقيقة كنت في كل مرة أنشغل بأمور الحياة الفانية وأنساه... وأتركه وحيدا في صالة الانتظار!

لقد كان هذا الموقف بمثابة الصفعة التي أيقظتني من سبات الغفلة!، ثلاث ساعات من الانتظار في مطار لندن كانت جديرة بأن تنقل لي الشعور الذي يعيشه صاحب الزمان في كل يوم وفي كل لحظة وثانية، بسبب أشخاص يدعون انتظاره ولكنهم في الحقيقة غافلين!

كان شعور الندم يسحقني، حمدت الله على هذا الموقف المرير الذي كان سببا في صحوتي...

تنهدت بعمق وحاولت أن أجدد العهد مع صاحب الزمان وأعاهده ألاّ أتركه وحيدا مرة أخرى، غطيت وجهي من الخجل وأجهشت بالبكاء ولم أشعر بنفسي إلاّ ويد أختي هيفاء تمسح على وجهي وأنا نائم على سرير في إحدى مشافي لندن، ومحمود ومجيد يتحمدون على سلامتي بعدما فقدت الوعي بسبب اللكمة التي أكلتها من ذلك الرجل الأجنبي خلال الشجار الذي حصل بيننا عند استلام الحقائب!.

الايمان
الانتظار
الامام المهدي
شارك الموضوع :

اضافةتعليق

    تمت الاضافة بنجاح

    التعليقات

    آخر الاضافات

    أفق الانتظار وبناء الأمل.. مهرجان مهدوي بدورته الرابعة

    سيادة البؤس.. مرحباً بك في اليوم العالمي للسعادة

    دقائق الجلوس برحاب أنيس النفوس

    ما هي مضاعفات سوء استخدام المضادات الحيوية؟

    رسائل زوجية بين ما تحبه الزوجة وما تكره

    علميا: ما الذي يحدد قوة المعتقد أو ضعفه؟

    الأكثر قراءة

    • 24ساعة
    • اسبوع

    سيادة البؤس.. مرحباً بك في اليوم العالمي للسعادة

    • 425 مشاهدات

    أفق الانتظار وبناء الأمل.. مهرجان مهدوي بدورته الرابعة

    • 416 مشاهدات

    ما هي مضاعفات سوء استخدام المضادات الحيوية؟

    • 357 مشاهدات

    دقائق الجلوس برحاب أنيس النفوس

    • 352 مشاهدات

    ما هي الاشارات الدالة على أن طفلك يعاني من القلق؟

    • 625 مشاهدات

    بومات الليل ونمط الحياة المتعب

    • 605 مشاهدات

    نادي أصدقاء الكتاب يناقش: إدارة المعرفة لدعم النمو

    • 595 مشاهدات

    سيادة البؤس.. مرحباً بك في اليوم العالمي للسعادة

    • 425 مشاهدات

    أفق الانتظار وبناء الأمل.. مهرجان مهدوي بدورته الرابعة

    • 416 مشاهدات

    دور الدماغ في التعامل مع المعتقدات الضعيفة

    • 390 مشاهدات

    facebook

    Tweets
    صحيفة الكترونية اجتماعية ثقافية بادارة جمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية

    الأبواب

    • اسلاميات
    • حقوق
    • علاقات زوجية
    • تطوير
    • اعلام
    • صحة وعلوم
    • ثقافة
    • تربية
    • منوعات
    • خواطر
    • الصور

    اهم المواضيع

    سيادة البؤس.. مرحباً بك في اليوم العالمي للسعادة
    • منذ 11 ساعة
    دقائق الجلوس برحاب أنيس النفوس
    • منذ 11 ساعة
    ما هي مضاعفات سوء استخدام المضادات الحيوية؟
    • منذ 11 ساعة
    رسائل زوجية بين ما تحبه الزوجة وما تكره
    • الأحد 19 آذار 2023

    0

    المشاهدات

    0

    المواضيع

    اخر الاضافات
    راسلونا
    Copyrights © 1999 All Rights Reserved by annabaa @ 2023
    2023 @ bushra