الماضي هو مجموعة ذكريات، صنعته التجارب والمواقف وأعمال قمنا بها وتشكلت وفق آراء وأفكار وقناعات ذلك الماضي، منها ما هو عادي ولا يترك أثرا في الروح ويمر مرور الكرام وفيها المؤلم والحزين أو المفرح والمرضي.
يقال إن كل فكرة عملت بها لها طاقة معينة، وكلما تذكرت شيء إنما أنت تستدعي هذه الطاقة، كما أن لها آثارها المؤقتة والدائمة على الأفكار والمشاعر، فإن كانت الذكريات مفرحة فأنت تشعر بطاقة سعادة وراحة وربما تبتسم دون أن تدري ويتعدل مزاجك وتشعر بطاقة إيجابية، والأمر معكوس إذا كانت الذكريات مؤلمة وحزينة ومحبطة.
إن فقدان شخص عزيز أو كلمة جارحة تركت أثراً لم يندمل، أو أمر أرهق أعصابنا ولم ننجح به وحكايات كثيرة ومختلفة لا ننساها إلا وتعاود ذاكرتنا على استحضارها.
من بين أفضل الطرق لنتخلص من الطاقة التي تؤذي مشاعرنا وتربك يومنا حين تداهمنا الذكريات الحزينة، هو استدراج الذكريات المعاكسة إن كانت حزينة فنحن نهرول لنوقظ ذكرياتنا السعيدة، وإذا كانت تحمل الألم والفشل وخطوات الندم هرعنا لنستذكر أفعالنا الجيدة وأعمالنا الموفقة فنشعر بالفخر والرضا على إنجازاتنا وهو خير ما نفعله.
وهو ليس هروبا بمعنى الهروب الذي يعرف أنه ابتعاد من أمور تخافها سواء في عقلك أو في واقعك، بل هي لحظات نلون بها اللألوان القاتمة حين تنسج خيوط الحزن حول القلوب وهي ريح باردة تشتت ضباب الذكريات المزعجة والمؤلمة، بنفس اليد وبنوع الكأس نداوي جرحنا ونروي عطشنا بالنسيان والتسامح حين تداهمنا الذكريات.
أو نلوذ بصوت شجي يطلق كلمات الله من كتابه العزيز لنهذب بها رغباتنا ونسيطر على لهاثنا وراء مغانم الدنيا الفانية ونعي أن أطماعنا متربصة بنا وتسلبنا أوقاتنا دون أن نعلم، نتوقف برهة لنتذكر صغائر النعم وكبائرها لنشكر الخالق ممتنين له مكارمه علينا، فتصغر في عيوننا خسائرنا واخفاقاتنا وفشلنا.
وعند اسوداد الدنيا في أعيننا منا من يحاول اضاءتها بكلمات كانت قد أوقدت بهم أفراحاً يتوقف ويفكر من قالها وما فعلت به من توهج روحي، أو نهرب لمكان رحب أو وردة فواحة نشم عطرها ونرى اخضرار أوراقها وصنعتها الرائعة فنعلم أن لنا رب صانع عظيم وقادر أن يغير الحال برمشة عين.
وبدلا من أن تعصرنا آلامها وطاقاتها السلبية أو تستنزف سعادتنا وطاقاتنا الإيجابية نسحب أرجلنا من المستنقع ونرحل.
يقول أحد الفلاسفة: "فلنخفف عن كاهلِ ذاكرتنا أمورًا قد مرت". هناك طرق كثيرة يستخدمها من يتعرضون لحالة تكرار استرجاع الذكريات المريرة للتخلص من أمور مرت وانتهت، فمن يبذل طاقة واعية لتفكيك الأحداث وفهم بعض الذكريات التي نخرت تفكيره وسرقت أوقات هناءته بإدراك أوسع، ستتفتح بصيرته لتجعله يملك القدرة على تصغيرها واسقاطها من حساباته، ولا تعد له سوى وهم فرض قوته يوما ما على لحظات حياته، أو يستهزئ بها ويهينها لتتلاشى وتنفض عنه كل أحزانها.
اضافةتعليق
التعليقات