من منّا لا يرغب بالوصول إلى القمّة أو لبرّ النجاة، في كل الأمور المادية والمعنوية الدنيوية والأخروية كلنا يريد أقصى درجات النجاح والسعادة والابتعاد قدر الامكان عن الهلاك والتعاسة، هكذا هي فطرة الانسان تطلب كل ما به صلاح لها، لكن لماذا لا يحصل الكثير على هذا المطلب؟، الجواب ببساطة، لأن طريق المجد مُتعب والتخلص من الهاوية صعب.
ولذلك نشأنا مع قاعدة: "من طلب العلا سهر الليالي"، فقد وُضعت نصب أعيننا من قبل الآباء والمعلمون والمربوّن لتُذكرُنا بشرط أساسي لسلوك أي طريقٍ كان.
نعم هذه حقيقة لا شك فيها، فالله عزوجل يقول في كتابه: "إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه"، هذه سنة الحياة، فليس من العدل أن يتساوى المُجِد والمتكاسل.
لكن لكل قاعدة استثناء، ومن هذه الاستثناءات مفهوم الطريق المختصر، أو طي المراحل للوصول إلى الهدف أو الحصول على الغاية المرجوّة.
على سبيل المثال، يقرر الأستاذ اجراء امتحان صعب لطلابه والمهلة أيام معدودة، الكثير منهم سيدرسون ليل نهار، هذه الفئة قد حققت شرط أساسي للنجاح أو الحصول على الدرجة العالية أو حتى هرباً من الفشل والرسوب وهذا الشرط هو الجد والاجتهاد، لكن هل الجميع يحصل على مراده، بالتأكيد لا، وواقع الحال يخبرنا بذلك.
هنالك عدة أسباب نذكر منها اثنين وهي التي تتعلق بموضوعنا..
1_ المقياس ليس دائما كثرة الدراسة أو حتى حدّة الذكاء، بل طريقة التفكير ومن ثم طريقة الدراسة للامتحان، هناك أشخاص حاذقين، قبل كل خطوة يسألون، يبحثون، ومن ثم ينظرون ويتأملون بطبيعة المادة وأستاذها، وقد يراجعون أسئلة الامتحانات السابقة وما إلى ذلك، فيعرفون على ماذا يتم التركيز عليه وأي شيء يتم إهماله وتركه.
2_ التوفيق، إن كان الجانب الأول مادي فالجانب الآخر غيبي، فقد يدرس الكثير بذكاء لكن هناك من ينجح بسهولة وهذا ما يُطلق عليه الكثير "الحظ" ولكن كلمة التوفيق الإلهي هي أدق وأفضل.
لكن لكل توفيق عنصرين: مقدمات وقابلية، أما المقدمات فهي أمور قام بها الطالب قبل الامتحان وقد تكون دعاء الوالدين أو دفع الصدقة، أما القابلية فهي استحقاق ذلك الطالب للنجاح وإن لم يبذل قصارى جهده، فالله سهّل عليه النجاح لأنه يعرف بحكمته أنه سيكون أهل للمكان أو العمل أو الجائزة التي سيظفر بها، أي سوف يستثمرها ويشعر بقيمتها.
إذن، يجب أن نعرف الطريق المختصر والكيفية التي يتم بها طي المراحل، وهنا نحن بحاجة لمن يدلنا على ذلك.
يقول الامام الصادق عليه السلام: "كلنا سفن النجاة، ولكن سفينة جدي الحسين أوسع وفي لجج البحار أسرع".
نحن نعيش في هذه الأيام في رحب عاشوراء، وهي فرصة لا تعوض لمن يروم تغيير نفسه أو انتشالها من ذنوبها أو الوصول لمدارج الكمال.
طريق الحسين.. طريق مختصر للنجاح والخلود والعظمة، إحياء أمره هو طي للمراحل للوصول إلى رضا الله وجنته، الدمعة على مصابه تبعد الانسان عن لهيب جهنم، حب الحسين يعمّر القلب الخرب، يطهره من خطايا عامٍ كامل بل عمر بأكمله، إنه باب الحسين.. أحد أكبر الأبواب للدخول لملكوت السماء.
في الوضع المعتاد كل ذلك يحتاج لجهد جهيد من قبل الانسان، فطريق الجنة معبّد بعبادات وسلوكيات ونية خالصة ومراقبة ومجاهدة ومحاسبة، وكذلك الخلاص من نار جهنم، وكذلك كل هدف علمي أو مهني أو اجتماعي واقتصادي، هذه هي القاعدة، لكن خلق الله لنا الحسين كاستثناء.
لكن وكما قلنا هذا بحاجة لمقدمات وقابلية، يقول أبا عبد الله الحسين عليه السلام:
"ألا ومن كان باذلاً فينا مهجته.. موطناً على لقاء الله نفسه.. فليرحل معنا"..
نعم السير في طريق الحسين سهل ويختصر عليك الكثير، أشياء صغيرة تبذلها في خدمة الحسين لها قيمة عظيمة عند الله، لكن هناك أيضاً شروط ليست بالهينة، فنقطة الانطلاق تحتاج لقوة دفع كبيرة، حب الحسين يحتاج لمعرفة، الدمعةعليه لصدق، خدمته لإخلاص، والحرقة لمصابه يجب أن يرافقها قرار بالتغيير نحو الأفضل والعمل على ذلك، استنكار ظلم يزيد وأعوانه يجب أن يتم ترجمته بالواقع برفض الظلم بكافة أنواعه.
الأمر أشبه بحجز تذكرة للسفر إلى مكانٍ ما، وكلما كان المقصَد أبعد وأجمل كان سعر التذكرة أغلى، ولكن الرحلة لا تستغرق سوى ساعات مقارنةً بأيامٍ وليالٍ في وسيلة أخرى، إذن فهي تستحق هذا الثمن!.
اضافةتعليق
التعليقات