من أهم عوامل انتصار النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تبليغه للإسلام هو: سمو أخلاقه (صلى الله عليه وآله وسلم) وحسن سيرته وكلامه، وقد كتب العلماء كتباً عديدة تحت عنوان (أخلاق النبي صلى الله عليه وآله وسلم) وما أشبه.
وبذلك مدحه الله تعالى بقوله عز من قائل: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}.
وقال عز وجل:
﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾.
وكلمة (لو) تفيد الامتناع لامتناع كما ذكره علماء العربية، فقوله "ولو كنت فظاً" تبين أن الخشونة والشدة بعيدة عنه تمام البعد، لأن كلمة لو تستعمل غالباً في الأمور التي يستحيل وقوعها وتنفي ما بعدها.
وقال تعالى: "لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ".
وقال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ ۖوَاللَّهُلَايَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ".
فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يتحلى بأشد الحياء وكان صلى الله عليه وآله وسلم يستحي من أصحابه، وأن بعض أصحابه كان يدخل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم من دون إذنه وكان يجالسه قبل الطعام وبعده، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتأذى من ذلك ويتحمله ويصبر عليه ولم يخبر أصحابه، حتى لا يجرح عواطفهم.
إن أخلاقيات النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانت تجذب حتى ألد أعدائه فكانوا يتأثرون بها وكثير منهم أسلموا لخُلقه الكريم.
فقد أصاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما أصابه من قريش، حتى قال: "ما أوذي نبي مثل ما أوذيت"، حيث تألبوا عليه وجرعوه ألوان الغصص، فاضطر إلى مغادرة أهله وبلاده ووطنه، لكنه لما فتح مكة حيث نصره الله عليهم وأظفره بهم عفى عن جميعهم.
ودخل الجيش الإسلامي على غفلة من أهل مكة، وكان بإمكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى إذا لم يرد الانتقام منهم وقتلهم بأجمعهم كما كان دأب الفاتحين، أن يشكل محكمة عادلة لمعاقبة المجرمين، الذين طردوا المسلمين وصادروا أموالهم وممتلكاتهم وأقاموا الحروب عليهم، والذين قاموا بتعذيب المؤمنين، والذين تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء.
ولكن رغم كل سوابقهم السيئة الإجرامية، فإن رسول الإنسانية صلى الله عليه وآله وسلم أصدر أمراً بالعفو العام عنهم جميعاً، وغض الطرف عن جميع الجرائم التي صدرت منهم.
وقال: "(لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ).. اذهبوا فأنتم الطلقاء".
وكانت هذه مفاجأة كبيرة للأصدقاء والأعداء، وكان عفو النبي صلى الله عليه وآله وسلم سبباً في دخول المشركين في دين الله أفواجاً.
اضافةتعليق
التعليقات