إنّ نظرة الإنسان إلى الزواج والحياة الأسرية، والانطباع الذهني عن شؤون الحياة الزوجية، والعلاقات بين الرجل والمرأة في إطار الأسرة وأيضاً السلوك الاجتماعي، لذلك كلّه دور مؤثر جداً، فكلما كانت هذه الرؤية إيجابية واقعية متسامية وراقية، كانت العلاقات أكثر إيجابية.
ولقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يسعى جاهداً أن يرسخ الرؤية الإيجابية الصحيحة في نفوس أصحابه عن الحياة الزوجية والعلاقات التي ينبغي أن تسود الحياة الأسرية، ذلك أنه من دون تصحيح الرؤية للحياة المشتركة ولمسألة الزواج والعلاقات بين الرجل والمرأة فإن الإصلاح الاجتماعي والتغيير الثقافي المطلوب لن يحصل، ولهذا نرى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يستخدم عبارات غاية في التأثير، وهو يحاول تصحيح الرؤية لأتباعه إزاء المرأة والزواج والعلاقات العائلية.
إنه يرتفع بهذه العلاقة والآصرة التي تربط الرجل بالمرأة في إطار الزواج والأسرة إلى مستوى الصلاة، إلى مستوى الشذى والعبير وعطر الورود الربيعية.
وأنّ الحب للمرأة إذا كان من جهة الغريزة الطبيعية، فإنه لا يعرف سرّ الحب، فهذا خالٍ من الروح، فيكون الميل هنا أشبه بالميل إلى الصورة والهيكل، فالذي يحب المرأة شهوةً ينحط بهذا الحب الإلهي من عليائه الرفيع، فيصبح صورةً جامدة من دون روح.
إن الذين تربوا في ظلال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومدرسته الإلهية هكذا ينظرون إلى المرأة، وهكذا يرون الزوجة، وهذا ما يتجلى في الحديث المروي عن الإمام الصادق (عليه السلام): «أكثر الخير في النساء». من لا يحضره الفقيه: ج3، ص385.
هذه الرواية التي ترقى بالمرأة إلى مستوى رفيع من الكرامة والاحترام والإجلال يجعل من الحياة الزوجية مفعمة بالسعادة وحلاوة الحياة، حتى يصبح إمضاء الوقت مع الأسرة أسمى ثواباً من الاعتكاف في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
يقول (صلى الله عليه وآله وسلم) :
"جلوس المرء عند عياله أحبُّ إلى الله تعالى من اعتكاف في مسجدي هذا" تنبيه الخواطر ونزهة النواظر"، ج2، ص121.
الغائية والهدفية
إن الغائية في الزواج والهدفية مسألة أساسية في البدء بحياة زوجية مشتركة، وهي من الآداب الأساسية في ثقافة الإسلام، وعلى هذا تتحدّد مسيرة الأسرة ومستقبلها ونوع العلاقات الزوجية التي ستسود مستقبلاً.
إنّ التعاليم النبويّة السامية تحذّر من تكوين الأسرة على أسس واهية أو ناقصة أو خاطئة، وثمّة أحاديث عديدة تحذر من الزواج الذي يستبطن هدف الحصول على الثروة، أو تحقيق الشهوة وإطفاء الرغبة الجنسية، فليست الثروة ولا الجمال هدفاً يليق بإقامة علاقة زوجية وبناء أسرة. إن بناء أسرة على هذه الأسس الواهية يشبه بناء صرح فوق الماء.
فكيف يمكن بناء صرح إنساني على أسس هامشية؟! إن بناء علاقات إنسانية مصيرية، وبناء أسرة يتطلب إقامة علاقة مع إنسان يتحلّى بصفات من الكمال، تساعد على إرساء أسس صلبة في تكوين الأسرة.
روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله الشريف: "من تزوج امرأة لا يتزوجها إلّا لجمالها لم ير فيها ما يحب، ومن تزوجها لمالها لا يتزوجها إلّا له وكَّله الله إليه، فعليكم بذات الدين" تهذيب الأحكام، ج7، ص399.
إن من يغفل عن الأمور الأساسية في الحياة الزوجية ويهتم بالظاهر فقط، يكون قد ارتكب أخطاء فادحة للغاية؛ ذلك إنّ الأمور الظاهرية ليست بشيء ولا يمكن اعتمادها كأساس في بناء الأسرة، إن الأمور الظاهرية عرضة للتهديد والزوال والتغير، أو تكون باعثاً على الانحراف وبالتالي إنهيار الأسرة.
المعايير الواضحة والصحيحة
كلما استخدمت المعايير الواضحة الصحيحة في عملية تكوين الأسرة، كانت أكثر نجاحاً وحظاً في الثبات والاستمرار والموفقية. وإنّه لمن الضروري أن تكون العلاقة الزوجية مستندة إلى التكافؤ، ووجود أرضية مشتركة تعزّز من فرص التفاهم وبناء العلاقات الزوجية المستقرة، وهذا هو المفهوم الجوهري للزوجية.
ومتى ما كانت الخصائص لدى الطرفين متكافئة والقابليات متجانسة، كانت العلاقة أقوى وأصلب وأكثر قوة، فإن خصائص من قبيل الخلق الكريم، التدين الأمانة والشعور بالمسؤولية، وكذا التوافر على قابليات من قبيل التدبير والإدارة الاقتصادية والثقافة، وحسن التبعل، تساعد كثيراً في انجاح الزواج، مع التأكيد على أن ذلك لا يعني إلغاء حالة الاستقلال التي يتمتع بها كل فرد.
إن الانسجام والتفاهم لا يعني إنعدام الاستقلال، لكنه يساعد على خلق أرضية مشتركة يقف عليها الطرفان جنباً إلى جنب، متساويين في الحقوق والواجبات، ويتمتعان بالشعور بالمسؤولية والصداقة.
يقول القرآن الكريم: {الطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ}. (سورة النور: 26).
وجاء في الحديث الشريف ما يؤكد على الكفاءة والتكافؤ قال (صلى الله عليه وآله وسلم) :
"أنكحوا الأكفاء وأنكحوا منهم" الكافي، ج5، ص332.
سأل رجل النبي له ممن نتزوج ؟ فقال : الأكفاء.
ومن هنا فإن الإيمان والدين، والأمانة والتحلّي بالخلق الكريم، يوفّر الأرضية المناسبة والمناخ الصحي لبناء الأسرة، ويعمل على استمرارها قوية متماسكة وموفقة. فالإنسان المؤمن المتخلق بالأخلاق الحسنة، يعرف واجباته ويعرف حقوق الآخر. ومن هنا فإن الخير منه مأمول والشر منه مأمون.
إن أئمة أهل البيت الأطهار حدّدوا معايير في إطار الدين والأخلاق والأمانة، فهذه هي الضمانات الأكيدة لنجاح الزواج وبناء الأسرة بناءً سليماً.
وقد حذّروا صلوات الله عليهم من الانخداع بالظاهر، وبالأمور الهامشية والثانوية التي لا تتمتع بالثبات المطلوب. إنّ النظرة السطحية للزواج، وإعطاء الجمال والثراء أهمية وأولوية في مسألة كالزواج، يعرِّض الأسرة إلى خطر الانهيار.
وثمَّة أحاديث شريفة يحذِّر فيها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من الزيجات التي تتم بين الأقارب الأقربين، لما يترتب على ذلك من نتائج وخيمة لا تحمد عقباها تطال الذرية والنسل يقول (صلى الله عليه وآله وسلم): "لا تنكحوا القرابة القريبة فإنّ الولد يخلق ضاوياً" الحدئق الناضرة، ج23، ص17.
ومن هنا نرى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يضع المعايير السائدة في العصر الجاهلي تحت قدميه ويدعو إلى تكوين الأسرة على أسس أخلاقية؛ فهو يشير إلى الدين والخلق الكريم وإلى الشعور بالمسؤولية، ويحث الرجل على إبراز مودّته لزوجته ويشجع المرأة على حسن التبعل.
اضافةتعليق
التعليقات