القصة الفائزة بالمرتبة الثالثة في مسابقة القصة القصيرة المقامة على هامش مهرجان أفق الانتظار وبناء الأمل ٤
غزت خيوط الشمس الذهبية دارنا بعد أن ألقت بشباكها شعاعًا ناصعًا على نباتاتي الظليّة، دفئها الذي غمرنا لم يكن إلّا إحدى لمسات أمّي السحرية حين تفتح النافذة كلّ صباح لأصحو على أثرها مع صفير البلبل، رتّبتُ سريري، رفعتُ وسادتي باحثةً عن شيءٍ ثمين، لكن وا حرّ قلبي اليوم كذلك لم أجد شيئًا، أخذت دموعي تتساقط رغمًا عنّي بغزارة.
من عادات أسرتنا أن يقوم كلّ فرد بترتيب سريره بنفسه حالما يستيقظ من نومه، ويرفع الوسادة بحثًا عن صكّ كنزٍ لا يُقدّر بثمن جُعل تحتها، فوالدنا قد وعدنا بأن يجعله تحت وسادة بعضنا.
يعتقد والدنا أنّنا في رحلتنا نتعرّض للمطبّات، لقد حذّرنا من العدوّ فهو يشنّ هجمة شرسة، يعمل ويخطّط وينفّذ، هدفه الأطفال والشباب، يريد أن يشغلهم بالتفاهة ليُسقطهم في الغربال، لن يبقى منهم سوى الأندر الأندر، وهو الذي سيكون جديرًا بالحصول على الكنز، احترتُ في أمري، فأنّى لي بالوصول، لابدّ من وجود طريق للفوز، التجأتُ إلى كتاب الله ليكون لي نِعم السند، فقرأتُ قوله تعالى: ﴿...وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ و ﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ۞ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ﴾ ازداد حماسي فزَخَر إصراري، صِرنا نحن الأخوة نتنافس فيما بيننا لكسب رضا أبينا، عملتُ على قلبي لأجعله نقيًّا من دنس النفاق، مهذّبًا من رجس الشقاق، وتطبّعتُ بالهشاشة والبشاشة.
أحد إخوتي صار مثل المسك الذي يفوح أريجه فلا يتغيّر أبدًا، ومثل القمر المنير في كبد السماء الذي لا يُطفأ نوره أبدًا، وآخر بات لا ينام الليل، له دويّ في صلاته كدويّ النحل، يبيت قائمًا على أطرافه ويصبح على خيله، راهب بالليل، ليث بالنهار كالمصباح كأنّ قلبه القنديل.
كُلٌّ منّا باشر بالعمل على نفسه ليكون الأول في الفوز بالسباق قبل الآخرين، عندما أراد أبونا السفر قال لنا: في غيابي مَن يصلح نفسه أولًا يكون الأقرب، أمّا إذا عدتُ فسيصعب على المقصّرين الحصول على الكنز؛ لأنّهم لم يجاهدوا أنفسهم ويعدّونها في غيابي ليكونوا جديرين بالفوز..
وهكذا مضت الأيام والساعات الواحدة تلو الأخرى، وكلّنا يعمل بما يراه الأفضل، أمّا أبونا فلم يعد بعدُ.
طالت المدّة ونحن في غياهب الإنتظار، زاد شوقي إلى أبي وفاضت شهقات الحنين كمرجل تصفق فيه أجنحة الفقد.
رنتُ إلى السماء فرأيتُ الغيوم قد تشكّلت على صورة دلو ماء فوق بئر الغَيْبة، قلتُ لنفسي: ربّما ستروي العطاشى إلى الماء المعين.
تأجّجت مشاعري حين ذكرتُ الغائب، فصدحتُ قائلةً: استعدّي يا غيوم فما يدريكِ لعلّ الساعة قريبة لتحملي رجالًا قلب أحدهم كزبر الحديد، يتمسّح بسرج مولاه، يحفّ به، يقيه بنفسه في السرّاء والضرّاء، أطوع له من الأمة لسيّدها، برأه الله بطهارة الولادة ونفاسة التربة.
ليس من شيءٍ إلّا وهو مطيعٌ لهم حتى سباع الأرض وسباع الطير، ولتتفاخر الأرض حين يسيرون عليها وتقول: مرّ بي اليوم رجلٌ من أصحاب القائم.
هنّأكِ الله ياغيوم بما أولاكِ من رجالٍ أشدّاء، قوة الرجل منهم بأربعين شخصًا، لو مرّوا بجبال الحديد لقطعوها، سيتنقّلون عليكِ في وضح النهار ليسيروا إلى سيّدهم من بلدٍ إلى بلد، في ذلك الصباح الموعود سيتفقّد كلّ رجلٍ منهم تحت وسادته فيعثر على صكٍّ مكتوبٍ فيه: طاعةٌ معروفة.. حينها ستغمره السعادة الكبرى بحصوله على الكنز الحقيقي إذ سيتيقّن بأنّه من رجالكِ ياغيوم.
اضافةتعليق
التعليقات