عليك أن تضبط انفعالاتك، أن تزن المواقف بميزان المنطق، ذلك ما يجعل منك شخصاً موثوقاً وراقياً، هذا ما أخبرت به طالباتي ذات مرة وعندها سألتني طالبة "هل يجب أن نتخلى عن العواطف إذن؟" كان سؤالاً بسيطاً نابعاً من الفضول الخالص، لكنه أحد تلك الأسئلة التي نريد جميعاً طرحها، نساءً ورجالاً..
تميل أغلب فلسفات العيش ومناهجه الرصينة إلى الدعوة إلى عقلنة الأمور، ومنطقية الفكر والفعل، وضبط النفس، وربط الغربيون العاطفة بالنساء ووصموهن بالضعف والخمول وعدم سداد الرأي بفعل هذه العاطفة، فحرموهن من الممارسات الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية.
ثم تسرب هذا التيار الفكري إلى العالم العربي عن طريق الاحتلال وتسيد المشهد العربي حتى ظُن أنه عربي.
فأبى الرجل أن يكون مهزوماً منكسراً فنأى عن العواطف كلها، ولم تربي النساء رجالاً يحملون عواطف لأنهن رأوه نقصاً في شخصيته، ونبذت المرأة العاطفة ومحت كل آثارها لأنها ما أرادت أن تحرم من فرص النمو الاجتماعي والثقافي والسياسي والاقتصادي في عالم شديد تنافس هي فيه الحلقة الأضعف والأجدد دخولاً على الساحة، مما جعل كثير من الشعوب تميل إلى التعامل الجلف والعلاقات الخشنة والباردة.
إن من المنطق استخدام العاطفة في مواقف العاطفة كعلاقة الأزواج ببعضهم وعلاقة الآباء وأبنائهم، فلو كان الأبوان عقلانيين بلا عاطفة في تعاملهما مع هفوات الأبناء، لظهرت للأبناء علل نفسية كثيرة، ولما بقيت علاقة سليمة لابن مع والديه، فالولد بحكم جهله كثير الخطأ، والأبوان بحكم محبتهما كثيرا الغفران، فهي العواطف الإنسانية هي ما تجمع الناس كغراء وتربطهم وتجعل هذا الرباط محكم طويل الأمد.
ولا ينحسر الأمر في العلاقات الإنسانية بين الفرد وما يحيطه بل يمتد إلى علاقته بالعالم أجمع، فإن لم يحرك قلبه ظل الشجرة الوارف ونسمات الربيع جاعلة إياه أكثر رأفة وأصفى مزاجاً فهو لم يعش حياة كاملة، وبالمثل ذلك الذي لا يغضبه الظلم، ولا يهزه بؤس الشعوب، ولا يحزنه ألم المتألمين، ولا يشعر بهوان وذل وعجز في المواقف العظام كسرقة بيته والتلاعب بإرثه ومستقبله وحكمه من سلطان جائر، فما هو إلا هيكل عظمي قادر على الحركة، بل لا يمكنه اتخاذ قرار حكيم لافتقاره إلى العاطفة، فقراراته مريضة ذات طبيعة أنانية ضيقة الأفق، لا يمكنها أن توصف بكلمة "منطقي" أبداً مع أنها في حينها قد تبدو في غاية المنطق، وإن كان قاضياً لحكم بأحكام تعسفية.
لذا فلتخش ممن لم تبكيهم غزة مثلاً، ولتبتعد مسافة مدن عمن لم يغضبهم الظلم الغاشم، ولتتحاشى أولئك الذين يرون سخطك ونقمتك لما يحدث من مذبحة أمام ناظريهم مبالغاً به، فتلك عاطفة نبيلة مُحرِرة تسمو بصاحبها وتريه الحق حقاً والباطل باطلاً، وتدفعه للتحرك لرفع الأذى والعدوان عن نفسه وعن غيره.
أما من يحسب أنه حاز المنطق كله بموت عواطفه، فقد خسر المنطق كله، وعبد نفسه وهواه ومصلحته، لأن الشعور هو رابط الأفراد المؤمنين ببعضهم، ورابط العبد بدينه، ودليله نحو النور.
قال تعالى: ((محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم)) (الفتح:29).
اضافةتعليق
التعليقات