أصبحت الدراما من متطلبات العصر الراهن؛ فهي تحكي الواقع الماثل بين أيدينا محاولةً فكّ شيفرة الزمن لتختصرهُ في عدة حلقات، وتجعل المتابع قادرًا على مشاهدة حياة الشخوص الديناميكية فيه والتنصت على أفعالها وأقوالها عن كثب والحكمُ عليها، وتجنب السير على خطى الشخصيّة السيئة _مثلًا_ واتباع آثار من نجحوا طوال هذهِ المسيرة التصويرية التي تحاكي الحياة.
وهذا كلهُ يرجع إلى مدى تفوّق السيناريست في كتابة نص السيناريو والفكرة التي يحاول إظهارها من خلال الدراما، والشخصيّة التي يحاول التركيز عليها كأن تكون شخصيّة علميّة أو دينيّة ...إلخ. فالفن هو الواجهة التي يمكن من خلالها الدفاع عن الشعوب وإبرازها بصورة فاضلة.
وكما نعلم أنه باتَ الشهرُ الفضيل مؤخرًا عبارة عن سوق للدراما يزداد شراسةً في كل عام وتتزايد معه أعداد المسلسلات العربيّة فضلًا عن تلك المستوردة التي تفتقرُ إلى أدنى معاني الذوق والنُبل!.
لكن الغريب في الدراما العراقيّة_على وجه الخصوص_ هو التخلي عن كل ما سبق ومحاولة جذب المشاهد بأعمالٍ وتصرفات طفوليّة لا تمتُ للفن بأي صلة.
والأغرب _كما عهدناه مؤخرًا_ هو تسليط الضوء على تصرفات فرديّة غير لائقة _أقل من أن ننعتها بالظاهرة_ ووصفها بأنها ظاهرة تجتاح الشعب العراقي معممةً بذلك صورة غير منتشرة بين أوساط هذا الشعب ذا الحضارة العريقة.
ولا ننسى النظرة الدونيّة من بقيّة البلدان تجاه الشعب العراقي وهم يعايشونه من خلال ما يُعرضُ على شاشاتهم _من الدراما العراقيّة_ التي تصوّره على أنه شعب منفتح، منحلّ أخلاقيًا، مضمحلّ الآداب والسلوك، لا يراعي حلالًا ولا حرامًا. الأمر الذي أثار استياء الشارع العراقي لتلك الصور الفانتازية المشوّبة والألفاظ النابيّة وهي تنطلق بكلّ استهتار ممارسةً دورها في تسقيط مهابة أبناء هذا الشعب.
نعم للفكاهة والكوميديا الأثر في جذب المُشاهد، ولا ننكر أن كثيرًا من الحكماء قد عوّلوا على جانب الطرفة في التأثير ولفت الانتباه، ولكن لا أن تصل إلى المستوى الذي تتحول فيه الكوميديا بل وحتى التراجيديا إلى استهزاءٍ محضٍ لا يحملُ بين معانيه شيئًا من الحكمة والعقل، كما كان ذلك في الزمن الجميل _كما يطلق عليه آبائنا_ رغمَ أن هذا الفن كان في بداياته آنذاك إلا أنه لم يكن يخلو من الحكمة.
هذا وناهيك عن الإسفاف والابتذال والتهتك.. إلى غياب العقل الذي _حسب التتبع الأولي_ نرى أنه قد لا تخلو دراما عراقيّة حديثة من أحد الممثلين وهو يمارسُ دور المجنون هذا إن لم يكن سائر الممثلين يتقمصون ذلك الدور!.
ومن ثم تنتهي الدراما وتنتهي معها لحظاتٌ كان من الأجدى صرفها في أشياء أنفع خصوصًا فيما يتعلقُ بهذا الشهر الفضيل؛ أوليس شهرُ رمضان هو بمثابة المحطة السنويّة التي يضعها لنا الرّب كي نزكي أنفسنا من درن الذنوب إلى سنةٍ أخرى، فهل _والحال هذهِ_ نضعُ كل فضائل هذا الشهر وراء ظهورنا ونسري خلفَ ما يُمليهِ علينا الفراغ وسط هذا الخضمّ المتلاطم.
اضافةتعليق
التعليقات