حثنا الله عز وجل على عمل الخير وعدم الاشهار به, كما أن عمل الخير لا يصدر إلا من قلوب تسكنها الرحمة, الرحمة التي خصها الله بفئة من عباده, وقد ورد ذلك بروايات عدة لأهل البيت (عليهم السلام) في عمل الخير, فالقلوب الرحيمة هي نفسها القلوب التي تلتهب شوقا لعمل الخير لكسب رضى الخالق وذلك لان الرحمة؛ صفة تجلى بها الله جل وعلا, فوسع كل شيءً رحمةً وعلماً, كما سبقت رحمته غضبه.
وقد أراد الاسلام ان يتطبع الناس بهذه الصفة حتى تمتلئ قلوبهم خيرا وبرا, وتفيض على الدنيا رجاءً واملاً, لهذا وردت آيات كثيرة تحث على الرحمة في القرآن الكريم, فقد خص الله العليل برحمته فذكر بقوله تعالى:
(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ)
كما أن جنته رحمة, حيث قال: (وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) وبعث لنا رسوله رحمة بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) وخص اصحابه بتلك الرحمة فيما بينهم يتصفون بها لينشروها بين الناس فقال تعالى: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ).
فلا تنتزع الرحمة إلا من الشقي, الذي يكون قد تولاه الغرور والذي يمقته الله في كتابه الكريم قائلاً: (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) واولى الناس بالرحمة الضعفاء والمساكين فهم بحاجة الى يد رحيمة تربت عليهم برفق.
فالرحمة بمدلولها الانساني تعد حالة انفعال ايجابي يصيب القلب لاحتضانه لآلام الاخرين, وامالهم, ومشاكلهم, في رعاية محببة وعناية ودودة وحنان دافق, وتنفذ لعمق حاجتهم الى العاطفة المنفتحة على كل كيانهم الجائع الى الحنان الظامئ والى الحب المتحرك نحو احتواء الموقف كله, فهي نظام عملي شامل لحياة الانسان في كل ما يصاحبها ويبتعد بها عن الفساد, لا مجرد عاطفة اشفاق وهذا ما اراده الخالق الرحيم.
كما ان معظم الآيات التي ورد فيها لفظ الرحيم تشير الى الاخرة اذ يرد هذا اللفظ بعد المغفرة, والتي تكون في الاخرة عند الحساب, وذلك قوله تعالى (واستغفروا الله ان الله غفور رحيم).
المودة والرحمة في الاسلام
وجعل بينكم مودة ورحمة, فما أودعه في عمق احساس الرجل والمرأة من مشاعر الحب والود, يكون كفيلاً لكل منهما بتحمل المسؤولية ويقوم احدهما برعاية الاخر في حالات ضعفه, وذلك بدافع الرحمة ايضاً.
فما أسعد للنفس من ان تدعو دائما برحمة الله في كل حين, فنحن بحاجة كبيرة الى رحمة فيما بيننا ليُسدل علينا وابل الخير والمغفرة, وتجنب حب الذات والتوق لكلمة (أنا) دون غيري, فهي حتما ستقود الى شرفات النهاية القريبة بتجريد القلب من الرحمة وبهذا يوصينا النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).
اضافةتعليق
التعليقات