الرشوة من الأوبئة الاجتماعية التي ابتلي بها البشر منذ أقدم العصور، وهذه الظاهرة المرضية من موانع إقامة العدالة الاجتماعية يستغلها بعض أفراد الطبقات المقتدرة غير مراعين للحقوق التي رسمتها الشريعة السمحاء، ويكون المستضعف فيها هم طبقة الفقراء وصغار العاملين، بينما سنت السنن السماوية لصيانة مصالح جميع فئات المجتمع لاسيما الفئات الفقيرة الضعيفة من الظلم والجور عليهم.
لهذا شدد الإسلام على مسألة الرشوة وأدانها وقبحها واعتبرها من الكبائر، فهي تفتت الكيان الاجتماعي، وتؤدي إلى تفشي الظلم والفساد والتمييز بين الأفراد في المجتمع الانساني، وتصادر العدالة من جميع مؤسساته.
أن قبح الرشوة قد يدفع بالراشين إلى أن يغطوا رشوتهم بقناع من الأسماء الأخرى كالهدية ونظائرها، ولكن هذه التغطية لا تغير من ماهية العمل شيئا، وكسب الأموال عن هذه الطريق محرم وغير مشروع.
وهذا الاشعث بن قيس يتوسل بهذه الطريقة في محاولة ان يرشي امير المؤمنين عليه السلام، فيبعث حلوى لذيذة إلى بيت امير المؤمنين عليه السلام املا في استعطاف الامام عليه السلام تجاه قضية رفعها اليه، ويسمى ما قدمه هدية، فيأتيه جواب الامام صارما قاطعا، قال عليه السلام:«هَبِلَتْكَ الْهَبُولُ، أَ عَنْ دِينِ اللَّهِ أَتَيْتَنِي لِتَخْدَعَنِي، أَ مُخْتَبِطٌ أَنْتَ، أَمْ ذُو جِنَّةٍ، أَمْ تَهْجُرُ!
وَاللَّهِ لَوْ أُعْطِيتُ الْأَقَالِيمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلَاكِهَا، عَلَى أَنْ أَعْصِيَ اللَّهَ فِي نَمْلَةٍ أَسْلُبُهَا جُلْبَ شَعِيرَةٍ مَا فَعَلْتُهُ، وَإِنَّ دُنْيَاكُمْ عِنْدِي لَأَهْوَنُ مِنْ وَرَقَةٍ فِي فَمِ جَرَادَةٍ تَقْضَمُهَا!
مَا لِعَلِيٍّ وَلِنَعِيمٍ يَفْنَى وَلَذَّةٍ لَا تَبْقَى، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ سُبَاتِ الْعَقْلِ وَ قُبْحِ الزَّلَلِ، وَبِهِ نَسْتَعِينُ».
هذا الدرس الرائع من امام التقى عليه السلام نستشف منه دروسا مهمة وخاصة من جعله الله تعالى سببا لقضاء حوائج المؤمنين، روي عن امير المؤمنين عليه السلام قوله: «أيّما وال احتجب عن حوائج الناس، احتجب الله عنه يوم القيامة وعن حوائجه، وإن أخذ هديّة كان غلولاً، وإن أخذ الرشوة فهو مشرك».
اخيرا لننظر بدقة إلى وصف القرآن الكريم لليهود المنحرفين عن جادة الحق، وصفهم بأنهم اكالين للسحت قال تعالى: «سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ».
وكلمة سحت أطلقت على كل مال غير مشروع، وبالأخص الرشوة، لأن مثل هذه الأموال تنزع الصفاء والمودة عن المجتمع وتزيل عنه البركة والرخاء وعلى هذا نفهم ان لكلمة سحت معنى واسعا، منها ما روي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «من اكل السحت الرشوة في الحكم».
اضافةتعليق
التعليقات