الصفحة الرئيسية

العدد 77

اتصلوا بنا

 

من أعيان النساء:

إعداد: زينب الأسدي

الذود إلى الذود إبل

هل مسألة اجتماع القطرات والذرات لها المحتوى الملموس في الواقع الموضوعي؟

لا يختلف اثنان على أن البحار والمحيطات تتكون من ذلك الفيض المتساقط من فطرة الطبيعة، ومسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة، وذرة الرمل الصغيرة تلك تكاد تصنع المعجزات باجتماعها مع مثيلاتها عندما تكون الصحاري الواسعة الممتدة على مرمى البصر. من هذا المبدأ استزاد ذلك الشيخ الكبير في قصته المشهورة حيث أوصى أولاده بالاجتماع والتعاون وعدم التفرقة بعد أن ضرب لهم مثلاً تلك الأعواد التي تنكسر مهزومة عندما تتفرق، وتزداد ثباتاً عندما تكون حزمة مترابطة حيث تظهر قوة الفرد عندما يكون في مجموعة وتظهر فائدة وأهمية الشيء عندما يكون متوحداً مع أمثاله.

يروي الجاحظ حكاية نقتبس منها ما يشير إلى حكمة المرأة وتدبيرها وذكائها في تسيير شؤون أسرتها اعتمادا على القاعدة المذكورة فيقول: (هل شعرتم بموت مريم الصَّنَاع فإنها كانت من ذوات الاقتصاد وصاحبة إصلاح).

قالوا: (فحدثنا عنها)، قال: (نوادرها كثيرة وحديثها طويل ولكني أخبركم عن واحدة فيها كفاية) فقالوا: (ما هي؟)، قال: (زوجّت أبنتها وهي صغيرة يافعة فحلّتها بالذهب والفضة وكستها المروي والوشي والقزّ وعلقت المعصفر ودقت الطيب وعظمت أمرها في عين الختن ورفعت من قدرها عند الأحماء، فقال لها زوجها: أنى لك هذا يا مريم ؟، قالت: هو من عند الله، قال: دعي عنك الجملة وهاتِ التفسير، والله ما كنتِ ذات مالٍ قديماً ولا حديثاً إلا أن تكوني قد وقعت على كنز‍!، قالت: إعلم إني منذ ولدتها إلى أن زوجتها كنت أرفع من دقيقٍ كل عجنةٍ حفنةٍ وكنا كما علمت نخبز في كل يومٍ مرة فإذا اجتمع من ذلك مكوك بعتهُ، فقال زوجها: ثبت الله رأيك وأرشدكِ ولقد أسعد الله ما كنتِ له سكناً. ولهذا وشبهه قال رسول الله (ص):(الذودُ إلى الذودِ إبلٌ).

فنهض القوم أجمعهم إلى جنازتها وصلّوا عليها ثم إنكفؤوا إلى زوجها فعزوه على مصيبته وشاركوه في حزنهِ.

الصَّناع: الماهرة. المرّو: نسبةً إلى مرّو. الوشي: النقش والنمنمة. الختن: قريب المرأة كأبيها وأخيها وعمها. مكوك: صاع ونصف. الذود من الإبل: ما بين الثلاث إلى العشر.

من كتاب البخلاء للجاحظ