الصفحة الرئيسية

العدد 77

اتصلوا بنا

 

مظاهر العنف

رحاب القزويني

ظاهرة العنف ليست ظاهرة حديثة وليدة العولمة وإنما يعود تاريخها إلى المجتمع الإنساني الأول... من حكاية قابيل مع أخيه هابيل. ومنذ ذلك اليوم وحتى يومنا هذا شهدت البشرية أصنافاً لا تحصى كمَّاً وكيفاً من مظاهر القسوة والبربرية.. و العنف.. التي سببت سلسلة من الكوارث المأساوية المتعاقبة؛ لأن العنف لا يولِّد إلا العنف.

 وهذه الظاهرة الخطيرة تتنافى والفطرة السليمة وطبيعة التكوين البشري كما تتنافى وروح التعاليم الإلهية والشريعة الإسلامية، فهناك العشرات من النصوص القرآنية، وهناك السنة النبوية الشريفة وسيرة أهل البيت (ع)، كلها تثبت بوضوح أن الأصل في الحياة وفي معاملة الإنسان مع أخيه الإنسان، هو مبدأ السلم والعفو والتسامح، أما القسوة والعنف فهو الاستثناء والذي لا يلجأ إليه إلا العاجزون عن التعبير بالوسائل الطبيعية السلمية. من جهة عدم ثقة الفرد أو الجماعة بقوة أو صحة أفكارهم وقناعاتهم فيعمدون إلى فرضها على الآخرين بالقهر والإكراه.

إن الإسلام يرفض جميع أشكال العنف والإرهاب ويدعو إلى السلام والرفق واللين والإخاء كما يتجلى ذلك في قوله تعالى: (وقولوا للناس حسناً) (1) –(أدعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) (2) – (وإن تعفوا أقرب للتقوى) (3) ويقول النبي (ص): (تعافوا تسقط الضغائن بينكم) (4) ويقول(ص): (العفو أحق ما عمل به) (5) وعن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) قال: (شر الناس مضن لا يعفو عن الزلة، ولا يستر العورة) (6) ويقول(ع): (بالعفو تستنزل الرحمة) (7) وعنه (ع): (اخلط الشدة بالرفق وأرفق ما كان الرفق أوفق) (8).

ولقد قدم النبي (ص) وأهل بيته (ع) دروساً عملية في العفو والتعامل الحسن والتسامح، حتى مع الأعداء، وقد تجلَّى ذلك في موقف النبي (ص) من الكفار والمشركين حين فتح مكة، قائلاً (ص) لهم: (اذهبوا أنتم الطلقاء) وعلى الرغم مما تسبَّب به أعداء النبي (ص) من الأذى إلا أنه (ص) يكرّر دعاءه لهم بالقول: (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون).

ولا يخفى على القارئ الكريم أن ظاهرة العنف لا تختص بمجموعة معينة في المجتمع دون أخرى، فكلٌّ من الرجل والمرأة والطفل معرَّضون لشتى مظاهر العنف، فالحروب المدمرة التي يسجل لنا التاريخ أرقاماً خيالية من ضحاياها والنزاعات الدموية المنتشرة اليوم في مختلف بقاع العالم.. إنما يذهب ضحيتها عدد كبير من الرجال والنساء والأطفال ويلقى الجميع نصيبهم من القتل والأسر والسجن والتعذيب والتشريد والتطهير العرقي.. من دون تمييز بين رجل أو امرأة أو طفل، وما يجري يومياً في فلسطين والعراق وأفغانستان و... خير شاهدٍ على ما نقول.

ولكن حينما نخص في حديثنا عن العنف المرأة بالذات باعتبارها الجنس اللطيف، وللأسف أن هذه الميزة التي حبا الله تعالى بها المرأة، بدلاً من أن تكون حافزاً يحثُّ الجميع على فهم المرأة بشكل أعمق لإتاحة الفرصة

أمامها من أجل تقدمها في سلم الحضارة الإنسانية.. لما للمرأة من تأثير قوي في حركة التغيير والتطوير - أضحى هذا الأمر مبرراً للآخر ليمارس العنف ضد المرأة بمختلف أشكاله.

ما هي مظاهر العنف؟

قبل كل شيء لابد أن نعرف بأن العنف يستبطن في داخله إكراه الغير بالقوة على فعل شيء أو الاعتقاد بشيء دون إرادته لذلك، والعنف هو إيذاء باليد أو باللسان أو بالفعل. وعملية الإيذاء هذه تكون على نحوين:

1- تارة يكون الإيذاء صادراً من فرد واحد باستخدام اليد أو اللسان تجاه الآخر. ويسمى هذا القسم (بالمتسلط الأنوي).

2- وتارة يكون العنف جماعياً إذ تقوم مجموعة بشرية ذات خصائص مشتركة باستخدام العنف والقوة كوسيلة من وسائل تحقيق تطلعاتها الخاصة. ويسمى هذا القسم (بالمتسلط الجماعي).

مظاهر العنف:

وأما مظاهر العنف فتنقسم إلى قسمين:

أولاً: العنف المادي:

وهو إلحاق الضرر بالوجود المادي للمرأة سواء في جسدها أو في حقوقها أو مصالحها أو أمنها. وهذا القسم يمسُّ حق الحياة لدى المرأة(9).

ويندرج تحت هذا العنوان كل من الضرب والصفع والحرق والقتل والطعن والاغتيال والاغتصاب و....

ثانياً: العنف المعنوي:

وهو إلحاق الضرر بالمرأة من الناحية السيكولوجية في الشعور الذاتي بالأمن والطمأنينة والكرامة والاعتبار والتوازن، وهذا القسم من العنف قد يكون مرحلة نحو ممارسة العنف المادي ونعرِّفه بأنه استعمال شتى أنواع الضغوط النفسية على الإنسان للسيطرة على أفكاره وتصرفاته الاجتماعية ومبادئه الإنسانية والحدّ من حرية تفكيره (10). ويندرج تحت هذا العنوان كل ما يسيء إلى المرأة من كلام قبيح كالشتم، والإهانة، والتحقير، والتهديد، وجرح المشاعر، والإساءة العاطفية، وإجبارها على ممارسة أعمال لا ترغب بها أو العكس منعها من ممارسة أعمال مشروعة ترغب بها، والاستبداد، والتعصب أمام آرائها، وعدم السماح لها بالتعبير عن رأيها، وعدم السماح لها بالخروج من البيت من أجل التعليم والعمل أو زيارة أقربائها وصديقاتها، والإصرار على معرفة كل الأماكن التي تذهب إليها، والتمييز في المعاملة بينها وبين الرجل بتفضيل الرجل عليها دون مبرِّر وحرمانها من الميراث، وطلاقها من دون سبب و....

والعنف بشقيه المادي والمعنوي نجده في الجوانب التالية:

1- العنف الأسري:

وهو من أكثر أنواع العنف شيوعاً لما يترتب على العلاقات الأسرية من احتكاك مستمر بين أفراد الأسرة ويؤدي هذا الاحتكاك إلى تعارض المصالح – لعدة أسباب – فتتعرض المرأة للممارسات العنيفة المادية منها والمعنوية، من قبل الرجل أو الطرف الأقوى. وتشير الإحصائيات في بلدان كثيرة من العالم أن 20- 50% من النساء ممن شملهن البحث قد تعرضن للضرب من قبل الزوج، و52% من النساء الفلسطينيات من غزة والضفة الغربية تعرضن للضرب على الأقل مرة واحدة في العام 2000، و23% منهن تعرضن للدفع والركل والإيقاع، 33% للصفع 16% للضرب بعصا أو حزام 9% هوجمن بأداة حادة من قبل أزواجهن وبيَّنت 9% أنهن تعرضن للعنف النفسي و 52% (جميعهن) تعرضن للإهانة والسباب واللغة البذيئة وتسميتهن بأسماء مهينة من قبل أزواجهن.

وتبلغ في بعض الأحيان حالات العنف درجة من الشدة والقسوة تنتهي إلى ضرورة إخضاع المرأة للعلاج الجسدي أو النفسي، كما قالت عينة واسعة من النساء الأمريكيات، 22- 35% منهن قلنَّ بأنهنَّ قد ذهبن لأقسام الطوارئ في المستشفيات نتيجة العنف المنزلي. ويعتقد الباحثون أن تعرض النساء للعنف بشكل من الأشكال قد يكون السبب وراء ارتفاع حالات الاكتئاب بين النساء أكثر من الرجال(11).

2- العنف الاجتماعي:

نظرة المجتمع للمرأة تلك النظرة الدونية وعدم الاعتراف بمكانتها كإنسان له ما للرجل من حقوق ويمكنها المشاركة في شتى ميادين الحياة وضمن الحدود المسموح بها شرعاً، فتعصب المجتمع لبعض التقاليد والعادات التي أشد ما تكون بُعداً عن الواقع الديني، تُعرِض المرأة لأشكال من القهر والاضطهاد، وتارة تتعرض للعنف في مجال عملها من قبل الرئيس أو الزملاء في العمل.. كالإهانة والتحقير وتقليل أجرها أو مصادرته في بعض الأحيان وتارة طردها من العمل.. ومحاولة استغلال أنوثتها و....

3- العنف السياسي:

ينحصر نطاقه في ميدان علاقة الإنسان بالدولة؛ أي سلب حرية المرأة في التعبير عن رأيها السياسي وعدم السماح لها بالمشاركة في صنع القرار ومنعها من حق التصويت والتصدي لمناصب في الدولة قد تكون مؤهلة لها....

4- العنف الديني:

إن الإسلام من جهة الدعوة إليه يرفض كل أساليب القوة والإكراه وقد حذَّر القرآن الكريم من الوقوع في مطب العنف في ميدان الدعوة إلى الإسلام وإلى تعاليمه الساميــة في قوله تعالى: (فذكِـــر إنما أنت مُذَكِر * لست عليهم بمسيطر). لقد أدرك الإسلام بأن العقيدة إنما ترسخ مع تقبل المبادئ المدعو إليها بالأسلوب الهادئ والحوار في جوٍ من المودة والسلام بخلاف ما لو تم ذلك بأسلوب العنف، فيقول تعالى: (لا إكراه في الدين).

الخاتمة:

إن العنف ليس إلا آلة هدم لطاقات المرأة المعطاء ومواهبها التي قُدِّر لها أن تظهر وتنمو وتعطي ثمارها الطيبة، وحينما تُسحق حرية المرأة فقد حُكم على مجتمعٍ كاملٍ بالتعاسة والتخلف لأن سعادة المجتمع نابعة من سلامة نسائه روحاً وفكراً. وكلما تحررت المرأة من الضغوط التي يصطنعها الآخر لاضطهادها كلما سار المجتمع نحو أهدافه برؤية واضحة وخطىً ثابتة، يستمد قوته من قوة نسائه (فالتي تهز المهد بيمينها تهز العالم بيسارها). وهذه المقدرة العالية على التأثير في المحيط لدى المرأة لا تتأتى إلا برفض العنف بكل أشكاله.. وإذا ابتدأت المرأة بالرفض أولاً كان ذلك خطوة كبيرة في سبيل إزالة كابوس العنف الجاثم على صدر المجتمع الإنساني.

الهوامش:

(1) سورة البقرة: آية 83.

(2) سورة النحل: آية 125.

(3) سورة البقرة: آية 237.

(4) كنز العمال.

(5) المصدر السابق.

(6) غرر الحكم.

(7) المصدر السابق.

(8) المصدر السابق.

(9) مجلة النبأ: العدد 48.

(10) المصدر السابق.

(11) مجلة النبأ: العددان 67-68.