الصفحة الرئيسية

العدد 77

اتصلوا بنا

 

الاستقلال الاقتصادي للمرأة نعمة.. أم نقمة..؟!

هداية الموسوي

إن قضية الاقتصاد قضية لا يمكن إنكارها بوصفها أحد مقومات بناء المجتمع المتماسك المتكامل، وللمال خصوصاً أثر كبير في النفس البشرية وبه تنكشف معظم جوانب النفس، وهذا الأثر يكاد يطال كل فئات وشرائح المجتمع لذلك جعله الله سبحانه وتعالى عاملاً من عوامل فتنة الإنسان وابتلاءاته حيث قال تعالى: (إنما أموالكم وأولادكم فتنة) (1). لذلك جنبنا من الانسياق وراء هذا العامل وأن لا يكون غاية الفرد في مسيرته وإنما هو وسيلة لدعم الإنسان كجانب من جوانب تطويره، ولا فرق في ذلك كون هذا الإنسان أو الفرد امرأة أو رجلاً.

ولقد منح الإسلام الفرد حريته واستقلاله في كل جوانب الحياة. والسؤال هنا: هل منح الإسلام المرأة حق الاستقلال الاقتصادي؟

قدم الإسلام أعظم الخدمات للمرأة ومنحها حريتها وشخصيتها واستقلالها واعترف بحقوقها الطبيعية بل وذهب أبعد من ذلك حيث عرّفها تلك الحقوق، ولكن البعض ممن له المصلحة في أن تبقى المرأة غافلة أنكر عليها حقوقها ومن ضمنها حقها في الاستقلال الاقتصادي. فلقد عانت المرأة وما زالت تعاني من الاستغلال والاستهانة بحقوقها في كل جوانب الحياة، ولو لاحظنا مسيرة المرأة فنجد أن معظم النساء كنّ يعملن وفي الغالب يكون العمل ضمن إطار الأسرة وهذه كانت طبيعة الحياة وخاصةً الحياة في الريف فمثلاً إن المرأة الريفية هي أكثر عطاءً وعملاً ولكنها أكثر فقراً. فمثل هذا الاستغلال وغيره ما زال مستمراً وأحياناً وبكل أسف يمارس باسم الإسلام وهو منه براء.

وهناك بعض النقاط التي من خلالها نرى كيف أن الإسلام منح هذا الحق للمرأة أي الحق في الاستقلال الاقتصادي، وهي:

أولاً: إن الإسلام منح المرأة وهي فتاة صغيرة وفي سن مبكرة حق تقرير المصير وهو الاستقلال الاجتماعي وأعطاها الحق في تكوين أسرة مستقلة اجتماعياً، أفلا تكون حرة في التصرف في المال - الذي هو أهون - من باب أولى؟

ثانياً: إن الإسلام اعتبر المرأة مكلفة في دفع الحقوق الشرعية من زكاة وخمس خصوصاً الحج فالزوج أو الأب أو المنفق لا تجب عليه حجتها؛ إذاً فهي الوحيدة المكلفة في هذه الفريضة ولقد قرر الإسلام أهليتها لممارسة كل ما للرجال من حقوق شرعية ومدنية. أفلا يكون ذلك استقلالاً لها؟

ثالثاً: قانون منحها الإرث في عمر مبكر حتى قبل العمر الذي يتمكن الرجل فيه من استحقاق إرثه؛ مما يدل على استحقاقها لهذا الحق ولو أن هناك إشكالات طرحت من قبل المرأة نفسها حول نسبة ذلك الإرث بالنسبة للرجل ولقد ذكر صاحب اللمعة الدمشقية حول قوله تعالى: (وللذكر مثل حظ الأنثيين) (2) ما ملخصه (إن قانون الإسلام في توزيع الثروة بين الناس حسب، فالمسألة في توزيع الثروة ليست مسألة عواطف ولا ادعاءات فارغة، إنما تأخذ المرأة ثلث الثروة لتنفقها على نفسها فقط، ويأخذ الرجل ثلثي الثروة فينفقها على نفسه وعلى زوجته – وهي امرأة – ثم على أسرته وأولاده ومن تجب نفقتهم عليه وفيهم الإناث طبعاً -والنتيجة- إن المرأة أصابت بجنسها من الثروة أكثر مما أصابه الرجل بجنسه) (3).

رابعاً: النتيجة أن الإسلام رفع مكانة المرأة وحررها من القيود التي كانت تحد من حريتها في الجاهلية وما بعدها ومنحها حق المساواة التامة مع الرجل ومنحها حق التمتع الاقتصادي من خلال حرية التملك وغيرها من الحقوق السياسية والاجتماعية والفكرية فقال تعالى: (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكرٍ أو أنثى بعضكم من بعضٍ) (4). وقوله تعالى: (كل امرءٍ بما كسب رهين) (5)، وقوله تعالى: (... للرجال نصيبٌ مما اكتسبوا وللنساء نصيبٌ مما اكتسبن... ) (6) وبذلك حقق الإسلام للمرأة استقلاليتها.

والسؤال الآخر الذي يطرح هو: هل أن هذا الحق (الاستقلال الاقتصادي) نعمة أم نقمة؟

إن الإسلام منح هذا الحق للمرأة لكي تستطيع مواصلة حياتها وليضمن لها حريتها كونها فرداً من أفراد هذا المجتمع وخاصةً حينما تتعرض لبعض المشاكل، وخصوصاً ما يتعرض له المجتمع في عصرنا الحالي كما من قبل، وأهم هذه المشاكل فقدانها للمعيل أو المنفق بسبب الحروب والاعتقالات والإعدامات من قبل الطغاة والهجرة والتهجير وغيرها مما يجعلها تقف لوحدها أحياناً كثيرة لمواجهة التحديات الاقتصادية وغيرها.

لذلك نرى بعض الرجال ممن يؤمنون حقاً بالتشريعات الإسلامية ويؤمنون بضرورتها وعدم نكران جزيئاتها، يشجعون نساءهم على الاستقلال المادي والاقتصادي كي لا يكن فريسة لهذه المشكلات والتحديات.

ولكن ما يحدث وخصوصاً في الوقت الحاضر وبسبب تعليم المرأة وخروجها إلى ميادين العمل المتنوعة أن بعض النساء يصبنَّ بالغرور عندما يحصلن على الاستقلال نوعاً ما، فيحاولن الاستغناء عن الرجل وعن دوره في الحياة كزوج أو كأب أو أخ، وهذا المطب تقع فيه الكثيرات وهو من أهم أسباب تزايد حالات الطلاق، فلقد أُجريت دراسة عن أسباب هذا التزايد في المحاكم الشرعية في البلا5د الإسلامية والعربية خاصة وتضاعفها بالنسبة لحالات الزواج ففي مصر مثلاً وجد أن نسبة 30% من الأسر المصرية تعيلها نساء وهذا البلد يشهد نسباً متزايدة لحالات الطلاق وخصوصاً بعد إدخال قانون الخلع إلى القانون المصري وبذلك ازداد عدد الأسر التي حرمت أو ستحرم من دور الرجل كأب وكزوج في حياتهم.

وكذلك نلاحظ ازدياد حالات الطلاق لدى الأسر المهاجرة إلى البلدان الغربية أيضاً، ومن الأسباب أيضاً هو حصول المرأة على امتيازات مادية تشعرها أنها ليست بحاجة إلى الزوج لأنه في هذه الحالة انتفى دوره كمنفق. هذه المشاكل وغيرها التي تتعرض لها الأسرة من تشتت وضياع بسبب سوء استخدام بعض النساء لحقوقهن مما يؤدي بهذه الحقوق أن تكون نقمة ليس على أسرتها فقط بل عليها أيضاً لأنها أول من سيعاني من هذه النقمة.

إن الأسرة ليست مؤسسة اقتصادية فقط وإن كان الاقتصاد هو أحد دعاماتها ولكنها مؤسسة اجتماعية تربوية، والعلاقات فيها ليست علاقات أخذ وعطاء مادي بل هو أخذ وعطاء معنوي، لأن أساسها هو البناء الإسلامي، وقوله تعالى: (وجعلنا بينهم مودةً ورحمةً) (7) وهي الأساس الأول لبناء الإنسان ليس البناء المادي بل كل جوانب الشخصية الاجتماعية الأخلاقية الاقتصادية السياسية. والأسرة هي مؤسسة ذات قطبين فلكل فيها دوره لا غنىً له عن الثاني.

إن العلاقة الأسرية لابد أن تتدخل في سيرها روح القيم المخلصة، التي تشع بصور التفاني والمحبة المنبثقة من الجوهر الديني الأصيل الذي يُحطم جميع الاعتبارات الدنيوية القائمة على أساس (الأنا) الذي يعكس الحالة المادية عند الفرد. إن الدين الإسلامي يلغي النوازع المادية المنطلقة من (الأنا) ويدعو في سبيل إقامة العلاقة المنزلية الناجحة في الذوبان في دائرة (نحن) التي تعتبر المحور الأساسي في صناعة الأسرة وهذا ما يشير إليه القرآن الكريم في سورة البقرة: (هنَّ لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهنَّ) وهنا يقتضي الاندماج الروحي بين الزوجة والزوج الذي لا يعرف للفوارق المادية من طريق(8).

ولنا خير نموذج وقدوة مشرفة وهي شخصية السيدة خديجة الكبرى زوج الرسول (ص) فهذه السيدة كسرت كل الحواجز والعقبات وسهلت للرسول (ص) كل مهامه. وهي تلك المرأة الجليلة الغنية المستقلة مادياً وقد اشتهرت في مجتمع مكة وأطرافها بالتجارة ولقد كانت الزوجة الكُفء له وعضداً متيناً تساعده في شدته وتفرج عنه كربته وتشارك معه في تأدية رسالته ولقد كانت امرأة حازمة ولكنها مع رسول الله (ص)  كانت تلك المرأة الودود الرحيمة التي بذلت (رضوان الله عليها) كل أموالها في سبيل الدعوة لله فكان النبي يشتري الرق ويعتقهم في سبيل الله بمالها. ولم تقف في طريقه يوماً وكانت صابرة محتسبة تشاركه وتتبعه إيماناً ومحبةً لله وتتحمل آلام الحياة وشظف العيش وعيناها تحرسه وترعاه ليلاً ونهاراً وقد قال رسول الله (ص) عنها: (والله ما بدلني خيراً منها، آمنت بي إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس) وفي الحديث (قام الإسلام على ثلاث، مال خديجة وسيف علي وأخلاق محمد).

وبالمقابل كان الرسول (ص) ذلك الزوج الممتن لهذه الزوجة والشريكة العطوفة المساندة ولم يجبرها على هذا العطاء وبقي يذكرها ويذكر ما فعلته من أجله وبذلك كانا مثلاً للأسرة المتفانية المتحابة.

الهوامش:

(1) سورة التغابن آية 15.

(2) سورة النساء 11.

(3) اللمعة الدمشقية ج8 – ص 16.

(4) سورة آل عمران آية 190.

(5) سورة الطور آية 21.

(6) سورة النساء آية 32.

(7) سورة الروم آية 21.

(8) المرأة والمشكلات الاجتماعية.