الصفحة الرئيسية

العدد 77

اتصلوا بنا

 

دردشة

نجاح الجيزاني

عنف الكلمة... وعنفوان الكلمة، مصطلحان متنافران لا يمكن لهما أن يلتقيا بأي حال ٍ من الأحوال فالأول يحوّل مجتمعاً بأسره إلى ركام، أما الآخر فإنه يبني أمةً قاهرة فيتعاظم مجدها وكبرياؤها.

ولأننا في زمنٍ ارتدت الكلمات فيه غير ثيابها، وأُلبست لباس الفرو مقلوباً... ولأنه زمن رديء، زحفت فيه الرداءة حتى وصلت إلى معاني الكلمات ويبدو أننا نعيش على الأرجح في عصر الاختلال لا الاحتلال، ليس فقط اختلال ميزان القوى لصالح القوى العظمى التي تتحكم برقاب العالم، وإنما ميزان الكلمات هو الآخر قد اختل بقصدٍ أو بدونه، وجدنا أنه من الأنسب لنا جميعاً أن نضع الأمور في مضانِّها، ونرجع الكلمات إلى قواميسها.

العنف، القهر، التسلط، كلمات سوداء في قاموس الرداءة، ولا يختلف زيد أو عمر في تحديد مدلولاتها، وما تنطوي عليها من آثار ممجوجة يمجّها العقل السليم، ولا يرضى بها الذوق الرفيع، إلا أن العنف اليوم أضحى ضرورة لصاحبه، يجد فيه متنفساً ليمارس طغيانه تجاه النصف الآخر... والقهر وسيلة فعالة لتركيع ضحاياه واستلاب حقوقهم فغدا القهر في عرفه سوطاً نارياً يلهب به ظهور المقهورين، أما التسلط فقد تشعب وتغلغل كثيراً في خلايا ونسيج المجتمع، فالأب يتسلط على أبنائه بدافع الحرص والمسؤولية والزوج يتسلط على الزوجة بدافع الغيرة والرجولة وهكذا....

إنني أتساءل وفي الحلق شجى: هل الحصانة التي يتمتع بها الرجل - وأعني بها (القيمومة)- تسوغ له ممارسة العنف ضد المرأة؟!.

فإذا كان كذلك فما هي حصانة المرأة وبمن تحتمي من غِير الزمان، ولمن تلجأ إذا نابها دهرها وتشتت شملها؟

إن قيل القانون، قلنا: القوانين الوضعية عاجزة عن وضع الحلول المناسبة لمشاكل الإنسان وقضاياه المتشابكة، وهي ذات القوانين التي تستند إليها أكثر حكوماتنا عداءً صريحاً منها لتعاليم السماء، ولأنها من وضع البشر فهي قاصرة لقصور القائمين على سن تلك القوانين... وأقل ما يقال فيها إنها قوانين لا تنصف مظلوماً ولا تدحض باطلاً، وبالتالي لن تشكل دعامة تتكئ عليها المرأة إذا ألمت بها الملمات أو أحوجتها الأزمات أو داهمتها الرزايا.

لا مناص إذن من الرجوع إلى أحضان الدين الحنيف والعودة إلى تعاليم السماء، فهي وحدها القادرة على حل جميع المشكلات وإزالة كل العقبات كأداء لخلق مجتمع السلم والتعاون والتكافل الاجتماعي... وبالدين وحده يحيا الإنسان (ذكراً كان أم أنثى) حياة العزة والكرامة، حياة شعارها (لا للإجحاف، لا للانتقاص، نعم للعدالة).إن غياب الدين عن واقع المجتمع والأمة هو الذي يكرس حالات الشذوذ والتفريط وتحكيم العصبيات الجاهلية والتي ما أنزل الله بها من سلطان، وما العنف إلا مفردة من تلك المفردات الكثيرة التي يعج بها مجتمعنا الحاضر. والخيارات مفتوحة أمامنا للنهوض أو للنكوص... فنحن أمة لها تأريخها وحضارتها وكينونتها وثقافتها المتميزة بها عن باقي الأمم. فإما أن ننهض من جديد، ونلم ما تناثر من لآلئ ماضينا المشرق، أو ننكص على أعقابنا كما نكص الشيطان على عقبيه من قبل، فنظل غارقين في بحر لجيٍّ ما له من قرار، من العصبيات الجاهلية المقيتة ابتداءً من الغضب والحقد والعداوة والعنف وانتهاءً بكل القيم المتحفزة للفتك بأخلاقيات المجتمع المسلم المسالم. فمن أجل أن نغل أيادي شياطين العنف إلى أعناقها، ومن أجل صفو سماء المجتمع من سحائب العنف اللامبرر، ومن أجل أن نشيَّع جميعاً العنف إلى مثواه الأخير، لابد من تحكيم العقل والدين معاً لأنهما توأمان لا ينفكان، إن حُكّما استحكما، وإن غيبا استأسد علينا المستأسدون، واستحالت المعمورة إلى خراب ودمار،..

فهل نفعل؟؟!!...