الصفحة الرئيسية

العدد 77

اتصلوا بنا

 

العنف الأسري والرجال يضربون..

 

نحن نعلم أن الإسلام يدعو إلى اللاعنف، وجميع أحكامه وقوانينه تحمل هذا الطابع، ولكن هناك من يأخذ بظاهر بعض الأحكام الإسلامية على أنها عنف ويستشهد منها أنها تحمل طابع العنف ضد المرأة مثل:

* القوامية للرجل.

* الآية القرآنية (واضربوهنَّ) (النساء: 34).

فالرجاء بيان واقع وحقيقة هذه الأحكام، مع جزيل الشكر...

أسرة تحرير مجلة بشرى

أجاب على هذا الاستفسار سماحة الشيخ فاضل الصفَّار (حفظه الله)..

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف خلقه وأفضل بريته سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.

وبعد: ما تفضلتم به من السؤال عن العلاقة بين قوامية الرجل على المرأة والعنف بدعوى أن قيمومة الرجل على المرأة تستوجب الاستبداد بها أو سلب حقوقها وما أشبه فيمكن أن نقول فيه:

إن نص الآية الشريفة يقول: (الرجال قوامون على النساء بما فضَّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهنَّ فعظوهنَّ واهجروهنَّ واضربوهنَّ فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهنَّ سبيلا إن الله كان علياً كبيراً) (النساء: 34).

والتأمل في هذا النص يوصلنا إلى بيان العِلل والأسباب الكامنة وراء الحكم فإن الآية الكريمة ذكرت:

1- القوَّامية على النساء ومعناها القيام بالأمر وتدبيره وسببه هو التفضيل الحاصل بالكفاءة الذاتية وبالحق العرضي لا بالظلم أو التمييز الاعتباطي أما الكفاءة فهي ما اتسم به الرجل في تكوينه النفسي والجسدي من قدرة في الجسم وصمود في النفس وقوة في العقل وحُسن الرأي والعزم ومن المتفق عليه عند عقلاء العالم ويشهد له الواقع الخارجي لبني البشر فضلاً عن الدراسات العلمية أن العنصر النسوي من البشر لا يتسم بهذه المزايا غالباً وإنما اتسم بمزايا وخصوصيات أخرى بعد السكون والعاطفة والمشاعر التي هي عناصر أخرى في تركيبة الإنسان والتي تقوم عليها استقامته وتهذيبه وتكامله وهذه الطاقة الكبيرة امتازت بها المرأة عدا الرجل وهذه خصوصية تكوينية لا تميزية بالاعتباط.. ومنه يعرف وجه الحكمة وسر التكاملية الحقيقية بين الرجل والمرأة في بناء الأسرة السعيدة والمجتمع السليم وإنشاء الحضارة المتكاملة لو أخذ كل منهما دوره اللائق به والمناسب له بما لو قلبت المعادلة لدبَّت الفوضى وساد الخوف وتراجعت الحياة الإنسانية إلى الوراء.

وأما الحق العرضي فلأن الآية الشريفة أعطت القوامية للرجل بما أنفق من ماله لأن نفقة الزوجة واجبة على الزوج ومن الواضح أن هذا الواجب يلزم أن يعوَّض بحق على ما يقتضيه مبدأ التوازن والتكافؤ بين الحقوق والواجبات فأعطي للزوج القوّامية في قبال ما وجب عليه من النفقة والمهر ونحوهما وهذا ما تشهد له السيرة العقلائية من أن مَن يعطي المال يقابل ببعض الخصوصيات التي تعوضه عمّا يدفع سواء كان المعطى مادياً أو معنوياً.

وبذلك يظهر أن قيمومة الرجل على المرأة هي عدل وليست ميزة وأنها ضرورة وليست ترجيح إذ لولاها لاختل النظام، وإنها في صالح المرأة لا في ضررها وأنها مقتضى الوداعة والسكون واللاعنف وليست بضدها لأن العنف فيما لو اختل الأمر وانعكست المعادلة بأن جعلت المرأة هي القوامة بشأن الرجل أو مساوية له.. فإن ذلك سيسبب النزاع والتخاصم والظلم على المرأة لأنها الطرف المغلوب في مثل ذلك، إذ من الواضح أن الحياة الأسرية تقوم بالقيّم وهو الرئيس لأن الأسرة صورة مصغرة للمجتمع الذي لابد له من قائد وسائس ومدبر لشؤونه ولابد وأن يكون هو الرجل في الأسرة، حفاظاً على وحدة العائلة وتماسكها واستقرارها وهذا ما قامت عليه الحياة البشرية في مختلف المجالات والشؤون فإن أي هيئة أو جماعة مؤلفة من شخصين فأكثر لابد وأن يتولى مهامها زعيم مسؤول ويكون الآخرون كالمساعدين أو المعاونين أو المستشارين أو المعاضدين له وحيث إن هذه القيادة تكون بالكفاءة والحق فلا ظلم ولا عدوان كما أنها ليست من الاستبداد والفرض للزوم أن يأخذ الرجل بالحكمة والرحمة والتشاور في إدارة أموره، بداهة أن القوامية لا تجيز للقيِّم الظلم أو الاستبداد لأنهما محرمان في أي صورة كانا.

ولا يخفى وجود بعض النسوة اللواتي لهن قدرة عالية على الإدارة ويتمتعنَّ بقدرات عقلية أو نفسية عالية وهنّ ناجحات في القيمومة وربما يتفوقنَّ على أزواجهنَّ أحياناً إلا أنها بالقياس إلى الأعم الأغلب تُعد من النوادر أو القلائل والقوانين تسن بملاحظة النوع ومراعاة الأعم الأغلب لا الفروض الاستثنائية وإلا تعذر التشريع وبطلت حكمة التقنين على تفصيل لا يسعنا المجال لبيانه هنا..

وكيف كان فإن الحكم صب على نحو الحالة الغالبة، والغالب في العنصر الرجالي هو القوة في الجسم والنفس والعقل والغالب في العنصر النسوي القوة في العاطفة والمشاعر. والقيمومة تحتاج أكثر ما تحتاجه إلى الثلاثة الأول فلا يصح حرمانه منها مع كفاءته وإعطاءه للمرأة مع فقدانها لها أو جعلها مضاهية ومساوية له فيها لأنه خلاف الحكمة ومن هنا كان الحل الأمثل فيه هو أن يكون الرجل هو المدير المدبر والمرأة مساعدة ومعاونة ومعاضدة فيسود الأسرة الأمن والسلام وتزداد فيها المحبة وتشتد فيها الأواصر وتقوم على أسس سليمة تبني جيلاً صاعداً ومجتمعاً سعيداً خالياً من الأزمات والعنف الأسري.

2- الضرب وجعلته الآية الشريفة سبباً من أسباب معالجة نشوز المرأة.. فإن النشوز يعني الترفع وفي أصل اللغة نشز أي ارتفع وقد كني به في العلاقات الزوجية فيما إذا ترفعت المرأة على زوجها أو طغت عليه وتجاوزت حدودها وكذا يقال للرجل أيضاً لكن أكثر استعمالها في المرأة لكونه وصفاً غالبياً. والمقصود به هنا هو استعلاؤها على الزوج وتخليها عن أداء واجباتها ومسؤولياتها تجاه الزوج.. ومن الواضح أن هذه الحالة تعد مرضية ولا يمكن السكوت عنها حفاظاً على الأسرة وحمايةً لكيانها لذلك كان يجب معالجتها وقد جعلت الآية الشريفة طرقاً عدة تتسلسل بحسب حالات المرأة فقالت:

أولاً: فعظوهنَّ أي بالنصيحة والتوجيه والإرشاد.

ثانياً: الهجران في المضجع أي فراش النوم والهجر هو الترك ويتحقق ذلك بأنحاء عدة منها بتحويل الظهر ومنها بعزل الفراش عنها والبيتوتة في فراش آخر أو مكان آخر وهذا أسلوب حكيم يعالج المرأة بالمشاعر والعواطف المتفجرة فيها فإن من الواضح أن المرأة تحب أن تملك قلب زوجها وهذا يحذرها بإمكان فقدانها له لو استمرت على النشوز.

ثالثاً: الضرب وينبغي أن يكون غير مبرّح وقد فسره أئمة أهل البيت (ع) بالضرب بالسواك وهو العود الصغير الذي يستخدم في استياك الأسنان وتنظيفها.

ولا يخفى أن هذه المعالجات الثلاث بينها ترتب طولي والواو، وإن كانت عاطفة ودالة على مطلق الجمع والتقارن، إلا أن القرينة الفعلية القاضية بعدم جواز التعدي إلى الأشد مادام الأخف ممكناً تمنع من استخدام أسلوب الضرب قبل ثبوت فشل طريقة الهجران أو استخدام الهجران قبل ثبوت فشل النصيحة.. لما قد يستلزم ذلك من الأذى أو التعدي أحياناً مضافاً إلى أنه مقتضى الجمع بين الأدلة الأذى المستفاد من أدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بناءً على وحدة الملاك أو دخول معالجة النشوز في صغرياته.

وكيف كان فإن المرأة غالباً ما تتأدب بواسطة النصيحة لأنها حريصة على نفسها وبيتها وأسرتها ويكفي الهجر أحياناً لإعادتها إلى صوابها لأنه يحرك عاطفتها نحو الزوج ويشعرها بضرورة تحسين الموقف لأجل إعادة قلب الزوج إليها.

وأما الضرب فهو فرض نادر الوقوع غالباً وقد عرفنا كيفيته وأما حكمته وسببه فهو لأجل المصلحة الأهم ولأجل الغرض النبيل وفي صورة انسداد الطرق الأسهل والأخف ومن الواضح أن هذا لا يعد عنفاً بل هو أسلوب من أساليب العلاج وهو غير العنف لأنه يتضمن معنى العدوان والقسوة مطلقاً سواء كانت هناك حلول أخرى أو لا.. وهذا يغاير ضرب الناشز بالطريقة المذكورة ولذلك قامت سيرة العقلاء على الأخذ بالضرب أحياناً تأديباً للأولاد أو التلاميذ أو معالجة بعض الأمراض النفسية أو مكافحة المجرمين أو الخارجين على القوانين والأعراف وما أشبه ذلك، إذ لابد من استخدام القوة أحياناً لأجل الإصلاح وحفظ الأمن، والنظام محمي بالقوة إذ لولاها لانتشرت الفوضى والفساد وساد الظلم والعدوان وهذا ما تقتضيه الطبيعة البشرية وتفرضه ضرورات الحياة الاجتماعية ويتحصل من ذلك أمور:

الأول: إن الضرب حالة استثنائية لا يصح استخدامها إلا عند الاضطرار وانسداد الطريق أمام الحلول الأخرى.

الثاني: لا يجوز أن يكون الضرب مبرّحاً أو يستوجب كسراً أو جرماً أو أذىً جسدياً بالمرأة بل المراد منه الأذى النفسي والتنبيه إلى الخطأ، وألا دخل موضوعاً في الظلم والعدوان فتشمله أحكامهما تكليفاً ووصفاً على تفصيل لا يسعنا المجال لبيانه.

3- إنه غير العنف موضوعاً وغايةً، تتطلبه ضرورة حفظ السلامة والاستقرار الأسري لمعالجة الخطر أو الوقوف أمام مساوئه..

4- إنه ليس من مختصات المرأة بل يشمل الرجل ولكن الآية ذكرت المرأة حفاظاً على كرامتها ورعايةً لمشاعرها بداهة حفظ أسرار وما... فيه النشوز في داخل البيت وعش الزوجية.. ومن الواضح أن الرجل الذي يعد العنصر القوي قادر بما اتسم به من خصوصيات نفسية وعقلية على معالجتها بالأفضل دون تشهير أو مساوئ خارجية.. بينما لا تتمكن المرأة عادةً من معالجة الرجل الناشز لذلك يمكنها رفع أمرها إلى أهلها أو أهله أو الحاكم الشرعي لوضع حد لنشوزه..

كل ذلك ينتهي إذا رجع الناشز إلى الطاعة وصواب المعاشرة بالمعروف ولذا جعلته الآية الشريفة غاية للحكم الـ‍… فقال سبحانه: (فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً) أي مارسوا العطف واللطف والرحمة والعفو وعنهن إذا رجعنَّ ولذا ورد عن النبي الأعظم (ص): (إن من حق المرأة على الرجل أن يغفر لها إن جهلت).